TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
عسر التفاضل والتكامل
30/01/2016 - 9:00am

طلبة نيوز- د. بهاء الزالق

عندما يقرأ القارئ كلمة (عسر) قد يخطر بباله مباشرة عسر الماء او عسر الهضم او عسر الولادة، لكن الحديث هنا عن عسر مختلف وهو عسر التفاضل والتكامل. كلمة (عسر) في المعجم تعني ضيق وشدة وهي نقيض يسر، أما (التفاضل والتكامل) فهو فرع من فروع علم الرياضيات يهتم بدراسة التغير، فكما أن الهندسة معنية بدراسة الأشكال والجبر معني بدراسة عمليات تنظم ايجاد حلول للمعادلات، فان التفاضل والتكامل معني بدراسة التغير في الدوال وتحليلها، وللتفاضل والتكامل تطبيقات كثيرة ويدرسه طلبة في المرحلة الثانوية وطلبة الجامعات في كليات مختلفة كالعلوم والهندسة وتكنولوجيا المعلومات والادراة والأعمال والصيدلة والتمريض وعلوم التأهيل والزراعة.

بالأمس كنت في أحد أقسام الرياضيات في احدى الجامعات الأردنية، وبحضور رئيس القسم وعدد من المدرسين وحضوري جاء أحد الطلبة وقال أنه قدم مادة التفاضل والتكامل ثلاثة عشر مرة و في كل مرة لم ينجح،  وأضاف الطالب انه لم ولن يتحسن مستواه في هذه المادة بالرغم من رغبته الشديدة في النجاح فيها وبالرغم من جهود المدرسين وانه مهما أعاد تقديمها فان النتيجة لا محال ستبقى راسب... في ذلك الحين خطر ببالي وربما خطر ببال الحاضرين أن ما سمعناه من الطالب مبالغ جدا فيه وهو ليس الا دراما محبوكة منه للتعاطف معه، لكنه طلب من أحد الحاضرين الدخول على نظام التسجيل الجامعي الخاص به للتأكد من صحة كلامه... بعد انصراف الطالب وجدت نفسي أفكر هل هذه طفرة أم حالة نفسية أم مرض أم ماذا؟ بالتأكيد هي ليست طفرة او مصادفة، فمن الملاحظ من خبرة ذوي الاختصاص في التفاضل والتكامل انه لا تكاد تخلو أي قاعة تدريسية في التفاضل والتكامل من ثلاثة طلاب على الأقل من هذا النوع.

الاصابة بعسر التفاضل والتكامل له أعراض كثيرة أذكر هنا ثلاثة منها. أولا: الخلط بين التفاضل والتكامل، فيستخدم التكامل في موضع التفاضل او يستخدم التفاضل في موضع التكامل، على سبيل المثال لو سألت معسر ما هو تفاضل مقلوب (س) لكانت اجابته في أحسن الأحوال هي  لوغاريتم (س) وهو لا يعلم أنه كاملها عوضا عن أن يفاضلها. ثانيا: عدم قدرة الطلاب المعسرين على فهم خواص التفاضل والتكامل والخلط عند تطبيقها بين الجمع والطرح من جهة والضرب والقسمة من جهة أخرى، فعلى سبيل المثال عادةً ما يوزع المعسرون التكامل على الضرب او القسمة مع أن مدرسيهم حذروهم من أنه لا يُوزع الا على الجمع والطرح (أتحدث هنا عن العمليات بين دالة ودالة أخرى وليس على العمليات بين دالة وثابت). ثالثا: عدم قدرة المعسرين على حفظ قواعد التفاضل والتكامل مهما حاول ذلك، على سبيل المثال عادة ما يفاضل المعسرون دالة الجتا على أنها الجيب بالرغم من أنها سالب الجيب. هذه الأعراض ما هي الا علامات سطحية تدل على وجود اضطرابات أعمق في الحس الرياضي عند المعسر.

لكي نتمكن من ايجاد حلول لعسر التفاضل والتكامل يجب في البداية دراسة الأسباب المؤدية له، نذكر منها أربعة هنا. السبب الأول: لا شك أن من أحد الأسباب هو وجود قصور ذهني لدى المعسر نتيجة لعوامل وراثية او اصابات دماغية. تؤكد الدراسات أن هناك مراكز معينه في دماغ الانسان مسؤولة عن قدرته على دراسة وتحليل العلاقات الرياضية وأن أي قصور او خلل يصيب تلك المراكز يولد لديه اضطرابات ذهنية تحد من تطوير مهاراته الرياضية. السبب الثاني: ضعف التأسيس في المراحل الأساسية في مادة الحساب لدى المعسر. السبب الثالث: عدم القدرة على التجريد، أي عدم القدرة على الانتقال من المحسوس الى اللامحسوس او المجرد. السبب الرابع: الخوف والقلق والتوتر والاضطراب النفسي الناجم عن الرسوب المتكرر في مادة التفاضل والتكامل.

لا أظن أنه بالامكان أن يكون لدينا حلول كثيرة لعسر التفاضل والتكامل ولا أظن النتائج للحلول المتوفرة ستكون سريعة، لكن يؤكد مدرسو مادة التفاضل والتكامل أن اتباع حلول مع التحلي بالصبر والتصميم والاصرار دون الشعور باليأس والاحباط غالبا ما يقود الى النجاح. من الشائع عند المعسرين تأخير التسجيل في مادة التفاضل والتكامل لحين فصل التخرج وهذا خطأ فادح لأن العسر يشتدّ تدريجيا مع تقدمهم في مستوياتهم الدراسية. لعلاج ضعف التأسيس لدى المعسرين ننصحهم كثيرا بدراسة سنة تحضيرية منفصلة لمادة التفاضل والتكامل قبل التسجيل فيها. لمعالجة اضطرابات الذاكرة ننصح المعسر بحل الكثير من الأمثلة المتشابهة على كل فكرة في كل موضوع يدرسه. أما لتنمية القدرة على التجريد، فللمدرس دور كبير في هذا عن طريق طرح كم كبير من التطبيقات العملية في المنهاج، ففي البداية عليه ادخال تلك التطبيقات التي تنتقل بالمعسر من المحسوس الى شبه المحسوس وبعد ذلك ادخال تلك التطبيقات التي تنقله من المحسوس الى اللامحسوس او المجرد. وللمدرس أيضا دور هام في معالجة الخوف والقلق والتوتر عند المعسر عن طريق زرع الثقة التي يفتقدها في نفسة ويتأتى هذا بتعزيز اجاباته الصحيحة وتشجيعه المتكرر له على الاستمرار والمثابرة.

أرجو أن تكون هذه المقالة عاملا في النجاح للتصدي لعسر التفاضل والتكامل وعاملا يبعث الأمل في نفوس أبنائنا الطلبة.

 

 

 

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)