TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
فرعونية أم بلقيسية
29/01/2019 - 2:45pm

بقلم: المهندس عامر عليوي/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية 
المراقب للمشهد العام يلاحظ ان إدارة مؤسسات الدولة الأردنية ابتليت بداء خطير وهو منطق الإدارة الفرعونية: "ما اريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد" وبتعبير فلاحي على قولة جدّي الله يرحمه: "الفهم على قد الوظيفة يا جدّي". الامر الذي أدى الى ان تدفع الدولة الثمن جراء هذا التفرد بالرأي الواحد وتعزيز ثقافة القطيع وغياب مشاركة أفراد المجتمع العاملين في مؤسسات الدولة المختلفة في المشاركة بعملية صنع القرار، أو نقد او محاسبة المسؤول، إلى جانب أنَّ العديد من أفراد المجتمع اعتادوا على وجود من يُفكِّر عنهم، ومن يتكلَّم باسمهم، وهذا دليل اننا نعاني من خلل حقيقي في التعليم والممارسات الديمقراطية، بعض الإدارات يترأسها "فرعون" على هيئة مدير أو رئيس او مسؤول، فيربط جميع الانجازات به، ويمسك بجميع خيوط القرارات حتى أن اقل الصلاحيات في اقل المستويات تكون من مهامه الرئيسية، انه الأكثر معرفة بالمصلحة العامة، وصاحب رؤية ثاقبة، لا يمكن أن يمتلكها احد غيره لأن الفرعون صاحب قدرات غير عادية، هو الهادي لطريق السداد والصواب، وعلى ما يبدو ان جلّهم ممن حضر فلم الخالدين "The Immortals" لكن سيأتي يوم عندما يستيقظ باكرا سيجد عبارة طبعت على جبهته out of use عبارة نشاهدها كثيرا في المصاعد ولا ندرك اهميتها الا عندما نصعد الادراج على اقدامنا، هناك تبدأ المعاناة في انقطاع جميع من كان يبجلونه ويطوفون حوله صباحا ومساء كما طاف المشركين حول "هبل "، وفي الطرف الأخر يعاني من يأتي خلفه إلى المنصب من تعقد مسارات العمل فيجدها بيد أصنام كانت تعبد لأنها كانت تتبع لـ "أمنحوطب الرابع" الذي غادر الموقع إلى "التحنيط".
ان الحالة الفرعونية التي نعيشها كل يوم أصبحت تطغى على حياتنا وتبدأ المشكلة وتنتشر من البيت الزوج يتفرعن على زوجته وهي تتفرعن على أبنائها، وهم يتفرعنون على أبناء الجيران، وتنتقل للعمل المدير يتفرعن على الموظف، والوزير على الأمين، والرئيس على الحكومة، والفساد على الإصلاح والقوي على الضعيف والباطل على الحق، وفي النهاية يتفرعن الإنسان على نفسه ولا يجرؤ أحد على نقدها لذلك قالوا في المثل المصري الشعبي: " يا فرعون إيه فرعنك قال مش لاقى حد يقف قدامي". ومنذ تلك الحقبة الفرعونية وحتى يومنا الحاضر نواجه نموذج الفراعين في الإدارة، الذي يكاد يكون الأسلوب السائد في مختلف الدوائر والمؤسسات والمجتمع والأسرة.
في المقابل نرى الدول الغربية تتبنى فيها اداراتها الحالة البلقيسية: "قالت أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون". بهذا الأسلوب جنبت بلقيس شعبها الويلات بعدما اعتمدت على المشورة، إلى جانب البراعة في المناورة، فهي لم تكن متسلطة في أحكامها، متزمتة في آرائها، لا تقبل النقاش أو المجادلة، الا ان النظرية "البلقيسية" في إدارة مؤسسات الدول العربية دون استثناء تواجه الجزر مقابل مد النظرية "الفرعونية"، لان العقلية العربية مبنية على عقلية "من ليس معي فهو ضدي". قد يقول لي أحدهم ان له تجربه مع مدير بلقيسي، انا لا أنكر ذلك لأنه في بعض الأحيان يلبس بعض المسؤولين ثوب بلقيس ولكن لفترة قصيرة جدا، يطلب خلالها المشورة لفترة زمنية، ولكن ما أن يسيطر على المؤسسة او الوزارة ويمسك بزمام امورها تماما يكتشف من هم تحت إمرته ومن هم حوله: "اللي تحسبه موسى يطلع فرعون". ولا تزال سيرة بلقيس ملكة سبأ وفرعون مصر تعتبران نموذجين للإدارة عبر التاريخ، حتى وقتنا الحاضر.
ان منهج الإدارة بالعقلية الفرعونية يعد السبب الرئيسي في حالة التخبط الإداري الذي نعيشه ونشهده في حياتنا ومؤسساتنا، ولم يعد خافيا مدى التخبط الذي أصاب ادارة الدولة الاردنية خلال العقد المنصرم، فالكل يتحدث عن حالة الفشل التي تكاد ان تكون السمة الغالبة في ادارة ملفات متعددة من تضخم للمديونية التي تكاد تعصف بالأمن الاقتصادي والمجتمعي للأردنيين جلهم، وتدني مستوى التعليم العام والعالي، وانعدام لخدمات البنية التحتية في كافة مدن وبوادي وقرى المملكة، وتدني مستوى الخدمات الصحية وغيرها الكثير.
العالم من حولنا يعيش في عصر مدارس جديدة ، مدارس الجودة والتميز في كل جزئية مهما صغرت أو كبرت، ونحن ما زلنا نعيش عصر المدارس الإدارية التقليدية التجريبية، أعجبتنني مقولة للدكتور فليب كروسبي والذي يعتبر من اشهر رواد إدارة الجودة حيث يقول: "أن الهدف هو المعيب الصفري"، حيث تكون نسبة الوقوع في الأخطاء نسبتها صفر وتتلخص فكرة المعيب الصفري عند كروسبي بتنفيذ الاعمال بشكل صحيح من اول مرة وفي كل مرة بدلا من تصحيحها لاحقا، أي انعدام العيوب، وفي مؤسساتنا لا أعتقد بان هناك نسبة كبيرة من الإداريين القياديين يصدقون هذا الكلام ناهيك عن عدم قدرته على تخيل إمكانية تطبيقه فكيف لنا أن نقارن بين هذا الفكر الإداري وبين ما يحدث في بلدنا ونحن لم نتجاوز حتى الانتباه للخطأ بل ما زلنا في مرحلة الغفلة حيث يكبدنا الخطأ الكثير والكثير من الخسائر المادية والبشرية والمعنوية والتي قد لا تعوض أبدا. 

إن أزمتنا أزمة الإنسان المناسب فكرا وتطبيقا، فالإداري الناجح يثبت أركان وزارته او مؤسسته بموظفين أكفاء مشهود لهم بالكفاءة والدراية بالموضوعات ومن ذوي الاختصاص والخبرة والمحافظة على مدراء ورؤساء أقسام مشهود لهم بالبنان في تلك الوزارة او المؤسسة وعدم الإطاحة بهم او تهميشهم...! 
على كل مسؤول في الدولة من رئيس الحكومة مرورا بكافة المسميات الإدارية لكافة الوزارات والمؤسسات الحكومية الى مسمى مدير فيها ان يتوقف عند قرأة بعض فصول كتاب الشيخ محمد بن راشد ال مكتوم حاكم دبي "تأملات في السعادة والايجابية" وان ان يسأل نفسه كما جاء بفصل السعادة منه ما هو دوري الحقيقي كقائد؟ ما هي وظيفتي الأساسية؟ أن أدير حكومة/وزارة/مؤسسة؟ هل دوري إنفاذها السياسات والقوانين فقط؟ ألا يمكن أن يكون لي دور أكبر وأعمق وأكثر إلهاماً؟ نعم، يمكن لأي مسؤول أن يكون له دور أعمق وأكثر تأثيراً وإلهاماً عندما يسعى لإسعاد العاملين بمعيته، دور الإدارة العليا بكافة مسمياتها هو خلق البيئة التي يستطيع العاملون من خلالها تحقيق أحلامهم وطموحاتهم وذواتهم، خلق البيئة وليس التحكم فيها، نعم، وظيفة الإدارة العليا هو تمكين العاملين وليس التمكن منهم.
هل يمكن أن نتخيل تأثير هذه الإجابة في مئات الآلاف ممن يعملون في الوزارات ومؤسسات الدولة المختلفة؟ أن يكون لوظيفتهم هذا المعنى العظيم، أن يكون لعملهم هذا الهدف الحضاري والإنساني العميق، أن يستيقظوا كل يوم وفي مخيلتهم وأمامهم هدف قريب من قلوبهم كبشر: كيف يمكن أن يساهموا في سعادة الناس؟ هل يمكن أن نتخيل أيضاً تأثير هذه الإجابة في الشعوب عندما يؤمنون بأن الحكومة تسعى لخيرهم وسعادتهم، تسعى لتوفير الفرص لهم ولأبنائهم ليكونوا سعداء، تسعى لتمكينهم بالأدوات والمهارات لتحقيق أحلامهم، هل يمكن أن نتخيّل وجود أي نوع من العداوات بين الحكومات وشعوبها إذا كانت العلاقة التي تحكمهم أساسها تحقيق السعادة؟
وكما قال سمو الأمير السعداء ينتجون أكثر.. ويعيشون أطول.. ويقودون تنمية اقتصادية بشكل أفضل وفق دراسات عدة.. أستغرب من استغراب البعض من حديث الحكومة عن السعادة. السعادة لها مؤشرات وبرامج ودراسات. السعادة يمكن قياسها، وتنميتها وربطها بمجموعة من القيم والبرامج؛ سعادة الأفراد، وسعادة الأسر، وسعادة الموظفين في عملهم، وسعادة الناس بحياتهم، وتفاؤلهم بمستقبلهم، ورضاهم النفسي والمهني والمجتمعي، كل ذلك يحتاج لبرامج ومبادرات في قطاعات الحكومة كافة، ولا بد من متابعة ذلك مع مختلف القطاعات والمؤسسات الحكومية. عندما نقول بأن هدف الحكومة هو تحقيق السعادة فنحن نعني ذلك حرفياً وسنطبقه حرفياً وسنسعى لتحقيقه بما يتناسب مع طموحات شعبنا وتطلعاته وعاداتنا وثقافتنا.
نعم، نحن نسعى لإسعاد الناس، وسيظل إسعاد الناس غاية وهدفاً وبرامج عمل حتى يترسخ واقعاً دائماً ومستمراً. لا توجد حكومة كاملة، ولا يوجد عمل دون أخطاء، ولكن الخطأ الحقيقي هو التخلي عن دورنا الحقيقي في إسعاد البشر.
نعم‭ ‬نحن‭ ‬نسعى‭ ‬لإسعاد‭ ‬الناس،‭ ‬‬‬‬‬‬وسيظل‭ ‬إسعاد‭ ‬الناس‭ ‬غاية‭ ‬وهدفاً‭ ‬وبرامج‭ ‬عمل‭ ‬حتى‭ ‬يترسخ‭ ‬واقعاً‭ ‬دائماً‭ ‬ومستمراً‭.‬ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تاليا رابط يلخص بعض من فصول كتاب "تأملات في السعادة والايجابية"
https://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2017-03-04-1.2876374

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)