TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
في التعليم العالي: انقذوا العلوم الإنسانية
18/05/2016 - 5:15am

طلبة نيوز- الراي - أ.د. زيدان عبدالكافي كفافي

التقي جمع من أهل التعليم العالي في الأردن يوم الأحد الموافق 24 نيسان الماضي في قاعة عمّان الكبرى - المدينة الرياضية، وذلك لمناقشة ما توصلت إليه اللجان المتفرعة عن اللجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية» التي شكلها جلالة الملك برئاسة العين الدكتور وجيه عويس. وبما أنني كنت واحدا من المشاركين في الاجتماع أعلاه، بصفتي عضوا في اللجنة الفرعية لمحور الحاكمية في التعليم العالي ، التي رأسها الأستاذ الدكتور عبدالرحيم الحنيطي، قررت أن أدلي بشهادة حول ما دار في هذا الاجتماع من حوار، وأركز على محور «التعليم العام (المناهج) والذي قدمه الأستاذ الدكتور تركي عبيدات.
قبل البدء بالحديث عن النقاشات التي جرت في الاجتماع، لا بد من الإشارة إلى زخم الحوار، خاصة فيما يتعلق بأمر «تمويل الجامعات»، وعلى الوجه الأخص ورقة الدكتور وليد المعاني ، وعنوانها: محور التعليم العالي/ البرنامج الموازي. ولأهمية هذا الأمر، لم يقتصر النقاش حول الأمر في قاعة المحاضرات، بل تابع المشتركون الحوار حوله في الردهات، وحتى على مائدة الغداء. ولا بد من الإشارة إلى ما نشره الدكتور فايز الخصاونه في مقالة عنوانها «برامج التعليم الموازي والتفكير خارج الصندوق»، والتي نشرت في الصحيفة، محاور فيها ما ورد في ورقة الدكتور المعاني بخصوص إلغاء الموازي واقتراح مجانية التعليم .
ولن نذهب في هذا المقام إلى أبعد ما ذهبا إليه ، لكنني أود أن أشير إلى أن برنامج الموازي لم يعد يتعلق في الوقت الحالي باستيعاب أعداد من خريجي التوجيهي، الذين لم يقبلوا حسب المنافسة أو الاستثناءات، لكن مردوده المادي يشكل الآن جزءاً من رواتب أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية الرسمية.
تبين من خلال النقاش حول هذا المحور أنه الأهم بين المحاور الأخرى، لدرجة أن المجتمعين لم يذهبوا كثيراً إلى ما سمعوا من رؤساء اللجان الأخرى، وكأن «الدراهم هي المراهم» للتعليم العالي.
هنا وجدت من واجبي كعضو هيئة تدريس في جامعة أردنية رسمية، له في سلك التعليم الجامعي حوالي 35 عاماً أن أقرع جرساً آخر، غير التمويل، وهو أين العلوم الإنسانية (التاريخ، والجغرافيا، والاجتماع، والدين، والفن، والرياضة، والفلسفة...وغيرها) في المناهج المدرسية؟
أكد الدكتور تركي عبيدات في محاضرته على ضرورة أن تحوي المناهج المدرسية على دروس تؤكد على القيم الوطنية، والاجتماعية، والأخلاقية، وكذلك الاعتزاز بالانتماء للوطن.
وبطبيعة الحال فإن مثل هذا الأمر لا يختلف عليه اثنان، لكني وجدت أن الكلام لا يتفق مع الواقع الحالي لطلبتنا الملتحقين ببرامج العلوم الانسانية والاجتماعية. إذ أن الانتماء للوطن والولاء له يجب أن ينتج عن معرفتك للوطن، وتكون هذه بمعرفة جغرافيته، وأهله. وللأسف فإنني أقول أن هذا ليس الحال في الوقت الحاضر...فما هو السبب ؟ وهنا أسجل أدناه بعض الخواطر:
- أن الحصول على شهادة جامعية تعدّ الآن جواز سفر اجتماعي، لا تحصيلا علميا، وأصبح المجتمع يعطي درجات لكل تخصص، فإذا درست الطب فأنت في أعلى السلم وتستطيع الزواج بكل سهولة، أما إذا درست التاريخ فتستطيع الزواج، أما إذا لم تدخل الجامعة فأنت بحاجة إلى واسطة لاقناع أهل العروس.
- بعد انتهاء المرحلة الإلزامية المدرسية ، يفرز الطلبة إلى عدد من المسارات الأكاديمية والمهنية، فالطالب المتميز يلتحق في المسار العلمي، وما تبقى من طلبة يلتحقون بالبرامج الأخرى. أي أن ما تبقى هم من رحم ربي، وهؤلاء هم زبائن العلوم الإنسانية والإجتماعية والآداب.
- يتقدم ممن اجتاز امتحان التوجيهي من الطلبة للالتحاق بالجامعات الرسمية، وبطبيعة الحال القبول في برامج العلوم الانسانية والاجتماعية مفتوح لكل حاصل على التوجيهي وتنطبق عليه شروط القبول، خاصة أن يكون معدله أعلى من 65% في الجامعات الرسمية، و 60% في الجامعات الخاصة، ولمن أغلقت أبواب القبول بوجوههم للدراسة في الكليات العلمية.
وأود أن انبه في هذا المقام إلى أمرٍ هام، هو، ليس المهم كيف يلتحق الطلبة بتخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية، فقط ، لكن الأهم كيف يحصلون على درجاتهم الجامعية على الرغم من ضعف تحصيلهم العلمي؟ كذلك أتساءل: كيف تكون مخرجات المعلم الضعيف علمياً عندما يلتحق بسلك التعليم، معلماً؟ هل سيكون تلاميذه أفضل منه؟. فكلما كان الاستاذ والمعلم متمكناً من علمه، كلما كان تلاميذه متميزين، وكم من تلميذٍ فاق معلمه.
يعلم الجميع أن التلميذ المتميز في المدرسة، يكون متميزاً في جميع دروسه، سواء العلمية، أو الأدبية، أو المهنية؛ ومن هنا تحرم المسارات الأدبية والعلوم الإنسانية والاجتماعية من طبقة هؤلاء التلاميذ. فأصحاب العلم هم أصحاب الفكر، والعكس صحيح. للأسف فإن مثل هذه المشكلة نوقشت في الاجتماع المذكور أعلاه بصوت منخفض، ولا يتعدى ملاحظة قالها الدكتور عاطف عضيبات، وأضاف وعلق عليها بعض المجتمعين. كذلك لا بد من الإشارة بهذا الصدد إلى مساهمة الأستاذ الدكتور فريد أبو زينة حول محور التوجيهي ودور مخرجاته في تنمية الموارد البشرية، وإن كنت من جانبي أصر على ضرورة عقد الامتحان من قبل وزارة التربية والتعليم.
وعودة إلى معاناة العلوم الإنسانية والاجتماعية في التعليم العام والعالي، والحالة التي وصلت إليها في الوقت الحاضر. وأعتقد أن هناك عدة أسباب أوصلت ضعف المعرفة والتحصيل العلمي إلى ما نحن فيه، وهي:
- بعد انطلاق الثورة المعلوماتية وضرورة تعميم المعرفة بمكنوناتها بين جميع البشر، أصبح لزاماً على أصحاب الشأن شمولها في الحصص المدرسية، وللأسف كان هذا على حساب حصص العلوم الآنسانية والاجتماعية، وما لف لفها. فأصبح التلميذ يتأبط كمبيوتراً عوضاً عن الدفتر والكتاب.
وهذا لا ضير فيه، بل خير وبركة. لكن، مقابل هذا لم يعد لا التلميذ، ولا المعلم، مهتم بالإملاء والإنشاء ورسم الخرائط كما كان الأمر قبل الكمبيوتر. ونتيجة لهذا لم يعد الطالب يكتب إملاء صحيحاً، ولا يقرأ كتباً، إلاّ في حالة ما كان الطالب مثقفاً إضافة إلى أنه متعلم. ما بالكم أن بعض طلبة الجامعة لا يعرفون لا رسم خارطة الأردن، ولا حتى حدودها. وهنا يستوقفنا ما قاله الدكتور عبيدات من أن المناهج المدرسية يجب أن تشدد على الولاء والانتماء للوطن. أليست معرفة الوطن هي الدافع لحبه والانتماء له. من هنا ندق الجرس، ونقول، أن يعاد النظر في قضية قبول الطلبة ببرامج العلوم الانسانية والاجتماعية والآداب.
- للأسف ، ومن خبرتي في التدريس الجامعي، وجدت أن هناك سطحية معلوماتية لدى كثير من الطلبة، في جميع التخصصات الجامعية، أي في مجالات العلوم الانسانية والاجتماعية. وحتى عندما تطرح الجامعة للطلبة مساقات من متطلبات الجامعة الاجبارية والحرة في هذه التخصصات فإن الطلبة المسجلين فيها سجلوا أملاً في الحصول على درجات عالية تساعدهم في رفع معدلاتهم التراكمية، لا من أجل تحصيل مزيد من المعلومات حول موضوع هو من اهتمامهم. ومن هنا يجزل بعض الأساتذة في اعطائهم للعلامات، فيصبح الخطأ مزدوجاً. من هنا نجد أن كثيراً من الطلبة المسجلين في مثل هذه المساقات لا يأخذونها على محمل الجد، وبعد الانتهاء من الامتحان النهائي يكون الطالب قد أغمض عينيه وصمّ أذنيه عن كل ما يتعلق بالمادة التي درسها.
- توصف تخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية لدى المشتغلين بالتعليم بأنها راكدة، بسبب أن من يدرسها ويتخرج منها لا يجد وظيفة. لكن السؤال لماذا أصبحت هكذا؟ والجواب يتلخص فيما يلي:
1. بعد انحسار عدد الحصص الصفيّة في تخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية وحتى اللغتين العربية والانجليزية في التعليم العام الرسمي، بسبب الاهتمام المتزايد بتدريس الحاسوب وما يتعلق به من علوم، لم تعد المدارس بحاجة لعدد كبير من المعلمين في هذه التخصصات. وحتى وإن درِست فليس من الضروري أن يدرس معلم حاصل على درجته الجامعية في المادة نفسها. قد يكون هناك معلم رياضة ونصابه التدريسي 24 ساعة، على سبيل المثال، وينقصه عدد من الساعات فيطلب منه أن يملأ جدوله بحصص في التاريخ أو الجغرافيا.
2. اختصار المادة العلمية المتعلقة التدريسية بالتاريخ والجغرافيا والعلوم الانسانية الأخرى إلى أدنى حد، وهذا طبعاً ينعكس على مدى الحاجة إلى معلمين في هذا الاتجاه.
3. ضعف التحصيل العلمي لدى الطلبة الملتحقين بالبرامج الجامعية في تخصصات العلوم الانسانية والاجتماعية، فالطالب النجيب يستطيع أن يفرض نفسه على الوظيفة، وليس العكس.
ولحل هذه المعضلة فإننا نشدد على ضرورة إعادة الهيبة للعلوم الإنسانية والإجتماعية من خلال تدريسها بشكل مسهب في المدارس، وزيادة عدد الحصص الصفيّة لأن معرفة الانسان لتاريخه ووطنه يجسد المزيد من الانتماء والولاء لديه، ويعزز القيم الأخلاقية والاجتماعية عنده، فالتربية قبل التعليم كما هو معمول به في الأردن.

 * قسم الآثار-كلية الآثار والأنثروبولوجيا
جامعة اليرموك - إربد

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)