كتب الدكتور علي نايل العزام

تعتبر رسالة عمان بيان مفصل وخطاب إعلامي واضح داخليًا وخارجيًا أصدره الملك عبد الله الثاني بن الحسين لتوضيح مفهوم الإسلام السمح وتصحيح ما علق به من تشوهات فكرية مملوءة بالغلو موضحه طبيعة الإسلام الحقيقية للناس بحيث شملت الجوانب الدينة والسياسية والثقافية والفكرية الموجهة للعالم([1]) وتضمنت مضامين عدة أهمها الركائز الإسلامية الحقيقية التي منبعها الإيمان بالله تعالى ورسوله موضحة أركان هذا الإيمان ومبتعدة عن كل التشوهات التي يحاول البعض الزج بها في مختلف الميادين.

وينطلق الخطاب السياسي الأردني من منظور أردن الحاضر والمستقبل فهو موجه توجيه شامل نحو مجمل القضايا المحلية والإقليمية والدولية([2]).

وقد صدرت رسالة عمان بهدف تأسيس خطاب إسلامي حضاري مستنير لإيصال رسالة الإسلام وثوابته إلى العديد من دول العالم، فحملت في طياتها وسطية الإسلام والحث على التسامح والاعتدال والبعد عن التطرف وتشجيع الحوار مع الآخر ضمن ثوابت الأردن التاريخية والدينية والسياسية والثقافية والفكرية التي حمل لواءها الهاشميين عبر مراحل التاريخ المختلفة([3]). فالخطاب السياسي الأردني انطلق من ثوابت راسخة وهادفه لبناء أردن الحاضر والمستقبل قيمها نحو المجالات المختلفة كلها بحيث يهدف إلى تقديم النفع والفائدة لجميع الناس، فهو خطاب مدعم بالحجة موظفًا اللغة بكل مفرداتها لخدمة غرضه.

لقد وضحت رسالة عمان مضامين الدين الإسلامي في التسامح واحترام الأفراد ومحاربة العنف والتطرف والانسجام بالحكمة والموعظة الحسنة، والابتعاد عن التمركز العرقي الطائفي والمذهبي وتعزيز مفاهيم الانتماء الوطني والابتعاد عن إقصاء الآخر وتهميشه، وتضمين مفاهيم حقوق.

        الإنسان والديموقراطية في المناهج التعليمية والجمع بين الهوية الثقافية والقيم الانسانية العالمية من خلال تضمينها في المناهج والمؤسسات([4]).  

واستمدت رسالة عمان في معظمها على السور القرآنية في تسع عشر سورة، مما يدل على أنها نابعة من مصدر ديني،المصدر الاول للتشريع في الاسلام و القرآن الكريم وإطارها العام في معالجة الأفكار والمفاهيم الواردة فيها من خلال منظور إسلامي، وابتدأت بالآية الثالثة عشر من سورة الحجرات والتي فيها مخاطبة لجميع الناس مما يدل على أن الرسالة لا تفاضل بين البشر الا من خلال التقوى([5]) وهذا ينسجم مع الشريعة الروحية التي تمثلها الأسرة الهاشمية والتي حملت لواء الدفاع عن الإسلام والحق عبر العصور المختلفة في النهضة العربية الإسلامية في الوحدة والحرية والاستقلال وهذا مشبع شرعية الحكم الهاشمي المبنى على الشورى والديموقراطية ونبني مبادئ الحكم الصالح من عدل ومساواة ومؤاخاة وتكافل وتعاون ومحبة وشرعية الوسطية والاعتدال التي تميزت بها السياسة الأردنية داخليًا وخارجيًا([6]).

فهي رسالة جاءت حافلة بالمفاهيم الإنسانية والعالمية فكرّست الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومرسّخة مبادئ العدل داعية لاحترام العقائد والأديان والأخوة الإنسانية وتقبل الآخر ونبذ العنف والتطرف والمغالاة معيدةً صورة الإسلام السمحة المشرقة([7]) ومع انتشار ظاهرة التطرف في الآونة الأخيرة بشكل كبير ومتزايد، وتهديد أمن المواطنين وسلامتهم وتعريضهم للخطر مما تطلب جهود كبيرة لمواجهة هذه الظاهرة([8](، وتصاعد أنشطة هذه التنظيمات بصفة عامة تحت غطاء الدين الإسلامي، فأصبحت تشكل مصدر تهديد دائم وأصبحت تُشكل مصدرًا كبيرًا من مصادر عدم الاستقرار([9]) شركاء في المصير الواحد والأرض الواحدة فهي تستحق أن تكون منارة محبة للإنسانية جمعاء[10] لأنها أشارت إلى الأخطار والتحديات التي واجه البشرية جمعاء، فهي عميقة في مضامينها بموضوعية تخاطب العقل البشري ودوره في المعرفة الإنسانية وتوجيه سلوكياته من خلال النظر إلى السياقات الثقافية التي تحكم بني البشر.

ومن القضايا التي تطرحها موضوع الأمن الفكري الذي شكل أحد الهواجس العالمية وأحد أهم الرؤى الاستراتيجية التي تدفع بالأمم لبذل الطاقات لأجل المحافظة هليه، فهو يتعلق بمخزون ذاكرة الإنسان من ثقافات ومبادئ أخلاقية يتلقاها الإنسان في المجتمع، فمحالة الطمأنينة التي تصيب الأفراد مركزها الثقافة النوعية والمنظومة الفكرية وانعكاس الأمن عليها سلبًا سيؤثر على كل القطاعات الأخرى، لذا عليه أن يحافظ على ملكيته الفكرية بعيد عن الاضطهاد والاستلاب الفكري([11]) لقد عكست رسالة عمان مبادئ الدين الإسلامي الحنيف مصداقًا لقوله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا»([12]) فالإسلام حضارة قائمة ليست حكرًا على أحد دون الآخر.

لقد ركزت بصفتها العامة على تناول الجوانب المتعددة كان أبرزها الجانب الديني والمتعلق بالرسالة المحمدية ثم السياسي وأبرازه من وحي هذه الرسالة الكونية في التعامل الدبلوماسي مع المجتمع، ومظهرةً الجانب التاريخي كأمة ذات حضارة عريقة ولا تشوبها الشوائب التي يحاول المندسين إلصاقها بهذه الرسالة والأمة، وهنا تبرز أدوار الثقافة والوعي الإنساني برمته في محاول تعزيز هذه الثقافة البناءة والتي يتبعها الدين الإسلامي،وهنا يمكننا القول الفصل أن رسالة عمان قد حققت بكل محاوره المختلفة وبشمولية ذات أبعاد زمانية ومكانية تجنع كل البشر فيها.

([1]) رسالة عمان، 2005م، صدرت في العاصمة الأردنية – عمان، ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك الموافق التاسع من تشرين الثاني لعام 2005م، ص3.

([2]) فتحي أيوب المومني، الخطاب السياسي للملك عبد الله الثاني ابن الحسين وأثره على الاستبعاد الاجتماعي (1999-2008)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت –المفرق- الأردن، ص1-3.

([3]) همزه نواف الفايز، دور الخطاب السياسي الأردني في الدفاع عن وسطية الإسلام (رسالة عمان أنوذجًا)، جامعة الشرق الأوسط- كلية الآداب والعلوم، قسم العلوم السياسية، آب 2007م، رسالة ماجستير غير منشوره، ص3.

([4]) جامعة مؤته، توجيهات مؤتمر الأمن والديموقراطية وحقوق الإنسان، 10-12 تموز، 2006م، موقع جامعة مؤته.

([5]) حمزة الفايز، مرجع سابق ذكره، ص42-43.  

([6]) أشرف النعيمات رسالة عمان- المسؤولية التاريخية وشجاعة الطرح، مجلة رسالة المعلم، 44 (1)، ص17.

([7])  ماجد الخواجا، عمان المدينة، مثال حي لرسالة عمان، مجلة رسالة المعلم 44 (1) عمان، ص11.

([8])  محمد حمزة، مكافحة الإرهاب والتطرف: وأسلوب المراجعة الفكرية، جمهورية مصر العربية، وزارة الداخلية، ص 34.

 ([9]( Wilner, Alex, Dubouloz, Claire- Jehanne “Home grown terrorism and transformative learning: an interdisciplinary approach to understanding radicalization” Global change, peace, and Security 22:1(2010), p.38

(([10]  حسين بني صالح، قراءة في رسالة عمان،مجلة رسالة المعلم، 2005م ، 44 (1)، ص17

([11](Tomlinson, J. 2006. Volus: the curriculum of moral education, online Artic, children and society Journal, 11 (4): p. 53-54.,

(([12] سورة البقرة، الآية 143.