من أسرار القرآن:
(454)- (......فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ........*)
(البقرة:185)
بقلم
الأستاذ الدكتور: زغلول راغب محمد النجار
هذا النص القرآني الكريم ينطق بالأمر الإلهي الذي يجعل من صيام شهر رمضان واجبا علي كل مسلم, بالغ, عاقل, حر, مستطيع, ومقيم. لذلك قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم-: "بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله, وإقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, وصوم رمضان, وحج البيت من استطاع إليه سبيلا".
وقال أيضا: "من أفطر يوما من أيام رمضان من غير رخصة ولا مرض, لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه". والمفطر من غير عذر مطالب بالتوبة والقضاء عند جمهور الفقهاء. كما قال- صلي الله عليه وسلم-: "بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له".
وانطلاقا من ذلك تصبح عبادة الصوم نعمة تستوجب شكر كل من يستمتع بأدائها علي الوجه الذي يرتضيه الله. والأصل في العبادات أنها لا تعلل, ولكن إذا فهمت الحكمة من العبادة فإن العبد يؤديها بفهم أوفر, ويتمتع بأدائها بشكل أعمق, ويؤجر علي هذا الأداء أجرا أعظم إن شاء الله رب العالمين.
ومما عرفنا من حكمة عبادة الصيام ما يلي:
1- أن الصوم يعتبر وسيلة تربوية رائعة, تعين الإنسان علي تقوية إرادته, وعلي حسن التحكم في رغائبه وشهواته, وعلي الترقي بسلوكياته إلي مقامات التكريم التي وهبها الله - تعالي- له, كما يعينه علي التعود علي الصبر وتحمل المشاق. وتقوية الإرادة في الإنسان لها تأثيراتها الإيجابية علي نشاطه الذهني, وتوازنه النفسي, وعلي احترامه لذاته, الذي يدفعه إلي الالتزام بمكارم الأخلاق والاستعلاء فوق كل حرام.
هذا بالإضافة إلي ما يحققه الصوم من تطهر جسد الصائم مما تجمع فيه علي مدار العام من النفايات والسموم والشحوم, والدهون, والتطهر منها لازم من أجل صحة الأبدان.
2- التقوى تتحقق بتعميق الإيمان بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره. ويزيد التقوى تعميقا في قلوب الصائمين إخلاص العبودية للخالق العظيم وحده, وتنزيهه – سبحانه- عن جميع صفات خلقه وعن كل وصف لا يليق بجلاله. ويؤكد هذه المعاني ما يصاحب الصوم من عبادات لازمة كالصلاة المفروضة ونوافلها, والسنن الخاصة بشهر رمضان كصلاة كل من التراويح والتهجد, والإكثار من الذكر والدعاء, ومدارسة القرآن الكريم, والتفقه في الدين, وإخراج الزكوات والصدقات, وحضور مجالس العلم, والقيام بسنة الاعتكاف, وتحري ليلة القدر, وأداء العمرة في رمضان إن استطاع إلي ذلك سبيلا وكل ذلك يعين الصائم علي المزيد من التعرف علي خالقه, وعلي حبه وخشيته في السر والعلن, واتباع أوامره, واجتناب نواهيه. كما يعين الصوم صاحبه علي الالتزام بمكارم الأخلاق, وعلي حسن التواصل مع بقية أفراد مجتمعه والتسابق في الإحسان إليهم.
3- شهر رمضان كما هو شهر القرآن الكريم, هو شهر الجهاد بالكلمة الطيبة, والحجة البالغة, والمنطق السوي, وبالقتال إذا لزم الأمر حتى لا يبقي المسلمون مستضعفين في كل مكان كما هو حالنا اليوم. وتكفي في ذلك الإشارة إلي أن أغلب انتصارات المسلمين حدثت في شهر رمضان ابتداء من غزوة بدر الكبرى (عام2 هجري) إلي معركة العاشر من رمضان (عام1393 هجري).
اضف تعليقك