أ د سيف الدين الفقراء/ جامعة مؤتة

من يطالع قانون الجامعات الأردنية المعدّل المعروض الآن عل مجلس الأمة يلمس أنّ ثمة تطويراً إصلاحياً في بعض تعديلاته, وهذه قضية تسجّل لوزارة التعليم العالي وللحكومة ولمجلس الأمة, ولكن أوّد أن أقف هنا عند مادة واحدة من القانون المقترح وأبيّن جوانب القصور فيها, وما تحمله من تغوّل على المال العام؛ تمّ استغفال اللجنة المعنية في مجلس النواب فيها , كما تم استغفال ديوان التشريع والرأي من قبل, وإذا مضى هذا القانون بهذه الصّيغة فسيخسّر الجامعات مئات الآلاف من الدنانير.

لقد نصّت المادة رقم (20/أ) من قانون الجامعات الأردنيّة المقترح على ما يلي :" على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر يسمح لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية الرسمية بالجمع بين ما يتقاضونه في جامعاتهم وراتب التقاعد المدني أو العسكري", ولتوضيح هذه المادة وما فيها من سرقة للمال العام أود أن أبين معطيات هذا التعديل, فبعد أن أقر مجلس النواب المنتخب لعام 2007 قانون الجامعات الأردنية, تمّ حلّ مجلس النواب في عهد حكومة البخيت, وصدر قانون معدل لقانون الجامعات الأردنية أثناء تولي معالي الدكتور وليد المعاني وزارة التعليم العالي في حكومة البخيت, وتضمن هذا التعديل, ولكنه قصر الجمع بين الراتبين على المتقاعدين المدنيين دون العسكريين, وكان الهدف منه تنفيع الوزراء الذين يتقاعدون من الدولة ويعودون إلى العمل في الجامعات الأردنيّة تحت ذريعة استقطاب الكفاءات, على الرغم من أنّ هذا التعديل كان غير قانوني؛ لأنّه تمّ بعد حل مجلس النواب مباسرة آنذاك وفي مدة لا تزيد على أشهر من تاريخ إقرار تعديل قانون الجامعات الأردنية في إطاره الدستوري , وكان التعديل يتعارض مع القوانين الأردنية التي تمنع الجمع بين الراتب الساري والراتب التقاعدي إلا بنسبة ضئيلة.
لقد جاء التعديل اليوم ليوسّع دائرة المنتفعين المتقاعدين ليشمل العسكريين والمدنيين, ولا نعرف إذا كان لدى حكومتنا الرشيدة بيانات مالية كم سيخسّر الدولة هذا التعديل بسبب الجمع بين الراتب التقاعدي والراتب الذي يتقاضاه العاملون في الجامعات من أعضاء هيئة التدريس؟ وما مدى عدالة هذا النص عندما نحصره فقط لأعضاء هيئة التدريس دون الموظفين الإداريين والفنيين ونقصره على الجامعات الرسمية دون بقية مؤسسات الدولة الأردنية؟
أمّا الطّامة الأكبر فهي نصّ الفقرة ب من المادة 20 من القانون الجديد, فهذه سرقة في وضح النهار, وفيها نصّ مخالف صراحة لنص المادتين75 و76من الدستور الأردني, أي أنها غير دستورية, فقد نصت الفقرة ب من التعديل على ما يلي :"تعدّ خدمة عضو هيئة التدريس الذي يتقلد أياً من مناصب الفئات العليا المقرونة بإرادة ملكية سامية خدمة مستمرة له ي جامعته طيلة مدتها لتشمل حقوقه المادية والأكاديمية كافة". وهذا التعديل يعني أنّ الوزير أو العين أو عضو هيئة المحكمة الدستورية أو عضو الهيئة المستقلة للانتخابات سيتقاضى من جامعته وهو مستقيل منها بحكم الدستور راتب شهرين سنوياً بدل تفرغ علمي, وسيتقاضى راتب شهرين بدل مكافأة نهاية الخدمة عن كلّ سنة, وستحسب له خدمته في العمل الجديد المقرون بإرادة ملكية سامية لغايات التفرغ والمكافأة والادخار والزيادة السنوية, وهو في الحقيقة ليس على رأس عمله في الجامعة, وهذا يعني ازدواجية الجمع بين المكتسبات في العمل الجديد وعمله السابق في الجامعة, وهذا تناقض صريح للدستور وفيه مخاسر مادية كبيرة للجامعات, ووُضِع النص المقترح لتنفيع الأعيان والوزراء, ومن هم في حكمهم ممن يصدر إرادة ملكية سامية في تعيينه.
لا نعرف ماذا سيفتي أساطين القانون في نص الفقرة 2 من المادة 75 من الدستور التي تنص على:" يمتنع على كلّ عضو من أعضاء مجلسي الأعيان والنواب أثناء مدة عضويته التعاقد مع الحكومة أو المؤسسات الرسمية العامة أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة ,أو أي مؤسسة رسمية عامة, سواء كان هذا التعاقد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة باستثناء ما كان من عقود استئجار الأراضي والأملاك, ومن كان مساهماً في شركة أعضاؤها أكثر من عشرة أشخاص". ولا نعرف ماذا سيفتون في تأويل نص المادة 76 من الدستور التي تنصّ على:" مع مراعاة أحكام المادة (52) من هذا الدستور لا يجـوز الجمع بين عضوية مجلس الأعيان أو النواب وبين الوظائف العامة ويقصد بالوظائف العامة كلّ وظيفة يتناول صاحبها مرتبه من الأموال العامة, ويشمل ذلك دوائر البلديات, وكذلك لا يجوز بين عضوية مجلس الأعيان ومجلس النواب ".
أملنا معقود على مجلس الأمة في عدم تمرير هذا التعديل لئلا نشرّع الفساد ونقنن التنفيع لعلية القوم.