TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
قراءَة تأملية في الرد الإسرائيلي على إيران
30/10/2024 - 8:30am

طلبة نيوز - د. أحمد بطَّاح
وأخيراً قامت إسرائيل بالرد على الهجوم الإيراني الأخير عليها إذْ باشرت أكثر من (100) طائرة إسرائيلية مقاتلة ومسيرة بضرب ثلاثة مواقع في محافظات (طهران، وخوزستان، وإيلام) وعلى ثلاث دفعات قاطعةً أكثر من (4000) كيلومتر جيئةً وذهاباً ومتخذةً مساراً جوياً من جنوب سوريا وعبر الأجواء العراقية إلى إيران، ولعلّ المتأمل في هذه الضربة الإسرائيلية من حيث أبعادها ودلالاتها يَسْتخلص ما يلي:
أولاً: انتهاء ما سُمي حرب "الظل" بين إيران وإسرائيل وخروجها إلى "العَلَن" فلأول مرة تعلن إسرائيل رسمياً أنها هاجمت إيران رغم أنها طالما شنّت عليها هجمات "سيبرانية"، واغتالت عدداً غير قليل من علمائها وقادتها وضيوفها، وقد كانّ آخرها اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والذي لم تعترف به رسمياً!
ثانياً: جاءَت الضربة الإسرائيلية "محدودة" بإجماع معظم المحللين والمتابعين، فقد تحاشت إسرائيل ما تتوق إلى مهاجمته وإنهائه وهو "المشروع النووي الإيراني" ومعه البرنامج الصاروخي، كما تحاشت ضرب المنشآت النفطية الإيرانية مكتفيةً بضرب بعض مواقع الدفاع الجوي وتصنيع الأسلحة، وإذا استذكرنا ما توعّد به القادة الإسرائيليون من أنّ ضربتهم سوف تكون "مميتة ودقيقة ومفاجئة" (على حد تعبير وزير الدفاع "جالانت") أدركنا ببساطة أنّ الضربة لم تكن كذلك، بل أعتبرها كثيرون -منهم إسرائيليون- أنّها "ضعيفة" و "هزيلة" و "أقل مما يجب"، "وغير إستراتيجية" كما قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد.
ثالثاً: كانّ من الواضح تماماً أنّ الضربة الإسرائيلية على إيران جاءَت "بالمقاس الأمريكي" فقد نصح الرئيس الأمريكي "بايدن" إسرائيل علناً بعدم ضرب "المواقع النووية" الإيرانية وألحقها بعد فترة "بالمنشآت النفطية" وليس سراً أنه كان هناك تنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الضربة بدليل الحشد العسكري الأمريكي في البحرين الأبيض والأحمر ونصب منظومة ثاد (Thaad) للدفاع الجوي في إسرائيل حتى إنّ الرئيس الأمريكي أعلن أنه يعرف "وقت وطبيعة" الضربة الإسرائيلية لإيران. لقد كان من الواضح تماماً أن إسرائيل "برمجت" ضربتها ضمن الحدود المقبولة أمريكياً وبحيث لا تؤدي إلى رد إيراني عنيف، الأمر الذي قد يقود إلى حرب إقليمية لا تريدها الولايات المتحدة في هذا الوقت بالذات حيث تجري الانتخابات الرئاسية الأمريكية خلال أقل من أسبوعين من الآن (05/11/2 024).
رابعاً: لا يبدو أنّ صراع المحور الإسرائيلي والمحور الإيراني قد انتهى بانتهاء هذه الضربة الإسرائيلية، فإسرائيل ما زالت تعتبر "المشروع النووي الايراني" خطراً "وجودياً" عليها، وهي لن يرتاح لها بال قبل أن تضربه وتتحقق من أنّ إيران لن تصبح دولة نووية، ولذا فهي سوف تنتظر الفرصة المناسبة كفوز "ترامب" في الانتخابات الأمريكية المقبلة، وتزويدها بإمكانيات أكبر في إعادة تزويد طائراتها بالوقود في الجو (بالنظر إلى طول المسافة بينها وبين إيران)، و بقنابل معينة قادرة على الاختراق في الباطون المسلح، ومن الجهة الأخرى فإنّ إيران لن تترك إسرائيل لكي "تتسيّد" الإقليم بل سوف تستمر في تسليح حلفائها (أو أذرعها إن شئت) من أجل محاصرة إسرائيل وضربها في خاصرتها، مع أن هذا لا يلغي إمكانية أن تقوم هي مباشرهً بالضرب كما حدث فعلاً.
خامساً: تكريس حقيقة أنّ القوى المحلية والإقليمية لا تستطيع أن تتجاوز حدودها وتتجاهل مصالح الدول الكبرى بل والمصالح العالمية أحياناً، فإسرائيل قوة عسكرية إقليمية بلا شك، ولديها سلاح جو يستطيع أن يصل إلى كافة المواقع في الشرق الأوسط كما قال زعماؤها، ولكنها لم تستطع عند توجيهها هذه الضربة لإيران ضرب "المواقع النووية" الإيرانية لما قد يترتب على ذلك من تبعات كضرب المشروع النووي الإسرائيلي في "ديمونا"، أو إغلاق مضيق "هرمز" في وجه الملاحة الدولية، كما لم تستطع ضرب المنشآت النفطية الإيرانية لما قد يستتبع ذلك من آثار ليس فقط على اقتصاديات المنطقة بل وعلى اقتصاديات العالم، حيث تصدر إيران ما يقارب (3) ملايين برميل من النفط يومياً، كما أنها قادرة على إغلاق مضيق هرمز حيث يمر ما يقارب (20%) من الاحتياجات النفطية العالمية.
سادساً: أدركت إسرائيل - وبغض النظر عن رغبتها المُلحة في ضرب إيران ضربة ساحقة بالتعاون مع الولايات المتحدة- أنّ الوقت ليس مناسباً لها فهي ما زالت مشغولة في قطاع غزة حيث لم تحقق أياً من أهدافها المُعلنة (القضاء على حماس، وتحرير "الرهائن"، وضمان عدم تشكيل قطاع غزة خطراً مستقبلياً عليها)، وهي لم تُحرز النصر الذي كانت تتأمله بعد اغتيالات معظم قادة حزب الله في جنوب لبنان، فالحزب يُبرهِن على موجودتيه كل يوم، ومن الواضح أنه استعاد معظم حضوره وقوته بحيث أنذر بالأمس سكان أكثر من (25) مستوطنة بإخلاء مستوطناتهم، الأمر الذي يعني ببساطة أنّ إسرائيل ما زالت تخوض حرباً صعبة في جنوبها وشمالها، وهي تتعرض لاستنزاف يومي: بشري واقتصادي.
هل هناك أبعاد، ودلالات أخرى للرد الإسرائيلي على إيران؟ بالطبع هناك الكثير ولكن ما أشرنا إليه قد يكون من الأهم.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)