TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
قناة الجزيرة في الذكرى الثالثة والعشرين لانطلاقتها
10/11/2019 - 12:00pm

ما لها وما عليها
يقول المثل غلطة الشاطر بعشرة ، وهذا ينطبق على قناة الجزيرة في تغطيتها لإعدام الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول ، فقد أعطت لهذه الحادثة مساحات كبيرة في تغطياتها الإعلامية بحيث فاقت هذه التغطية القنوات التركية التي حدثت الجريمة على ارضها ، ولا يخفى على احد ان هذه التركيز على هذه الجريمة ، وإفراد هذه المساحات الواسعة من ساعات بثها لها ، ليس نابع من أهمية الجريمة فحسب ، ولكن من باب تصفية الحسابات بين قطر الممول الرئيسي للقناة والسعودية ، فمن المعلوم ان هناك صراع خفي بين الدولتين حول كثير من الملفات وخاصة الموقف من الربيع العربي ، كما انه تعبير عن رفض قطر لهيمنة الأخ الأكبر(السعودية) وإعلان صريح الخروج من بيت الطاعة السعودي المهيمن على دول مجلس التعاون الخليجي ، ولكن اكثر نقاط الخلاف بين الدولتين قناة الجزيرة نفسها ، التي كما قلنا كسرت كل التابوهات بحيث فتحت ملفات عربية وخليجية لم يكن مجرد التفكير بل الحلم بها وارداً في دول محافظة كدول الخليج العربي.
انطلقت قناة الجزيرة في الفضاء الإعلامي العربي والعالمي في الأول من تشرين الثاني من عام الف وتسعمائة وست وتسعين من العاصمة القطرية الدوحة ، كمحطة إخبارية تتبع لشبكة الجزيرة الإعلامية ، هذه الشبكة التي اخذت بالتوسع بعدد من المنافذ منها شبكة الانترنت وقنوات تلفزيونية متخصصة في لغات متعددة في عدة مناطق من العالم ، ونستطيع بحق ان نطلق على الاعلام العربي ، إعلام ما قبل الجزيرة وما بعدها ، فالإعلام العربي قبل انطلاقة الجزيرة كان يمثل الاعلام الرسمي برتابته وتقليديته ، إعلام يُعبرعن المجموعات الحاكمة في الوطن العربي ويتبنى سياساتها ووجهة نظرها ، إعلام التطبيل والتسحيج لهذه المجموعات الحاكمة ، فكانت نشرات الاخبار في هذا الاعلام تتحدث عن إنجازات الحاكم وتحركاته وسكناته واسفاره واستقباله لأخيه الحاكم العربي وصديقه الحاكم الأجنبي ، ولذر الرماد بالعيون كانت تتذيل هذه النشرات خبر مقتضب عن فلسطين ، تليها النشرة الجوية التي كانت في اغلب الأوقات غير صادقة بنبوءاتها ، وكائنها تريد ان تقول ان كل ما تسمعوه ليس اكثر صدقاً من نشرة الأحوال الجوية. 
فجاءت قناة الجزيرة لتفض بكارة هذا الفضاء الإعلامي وتحطم كل التابوهات وتفتح كل الملفات ، فمن ظهور مُقدمات برامج محجبات لم نكن نشاهدهن قبل الجزيرة في المشرق والمغرب العربيين ، الى نقد الحاكم وحاشيته على الهواء مباشرة.
الا ان اهم ما تميزت به هذه القناة برامجها الحوارية والتي استضافت فيها كثير من النخب العربية بمختلف توجهاتهم السياسية ممن هم محسوبين على المعارضة او الموالاة ، فقبل الجزيرة كانت النخب السياسية المعارضة محرم عيها دخول استديوهات الاعلام العربي ، بل كان مكان هذه النخب السجون والمعتقلات ، ففتحت الجزيرة استديوهاتها لهم واصبح المواطن العربي يستمع للرأي والرأي الأخر ، كما ويسجل لقناة الجزيرة ايضاً انها طرحت قضايا حساسة لم يجرؤ الاعلام العربي ان يطرحها ، كمسألة الطائفية المذهبية كالسنة والشيعة ، والأقليات الدينية كالأقباط في مصر والمارونيين في لبنان والأقليات العرقية كالأمازيغ في المغرب العربي والاكراد في والعراق وسوريا ، وطَرحت هذه المسائل ليس من باب اذكاء النعرات الطائفية او المذهبية والدينية ولكن من باب غياب مفهوم المواطنة التي يجب ان تحظى بها هذه المجموعات وانها جزء اصيل من مكونات هذه البلدان.
قضية العرب الأولى فلسطين حظيت بمساحات واسعة من بث هذه القناة ولم يتراجع هذا الاهتمام خاصة في الآونة الأخيرة والتي بدأ الجميع ينسحب من تغطية اخبارها لحساب التسوية التي يرى الكثير انها تسوية عنوانها تصفية القضية الفلسطينية ، فلم نعد نسمع عن اخبار قطاع غزة ومقاومة الفصائل الفلسطينية كحماس والجهاد الإسلامي الا من الجزيرة ، كما وتُفرد برامج خاصة عن الضفة الغربية ومعاناة الفلسطينيين من سياسات الاحتلال والتضييق المستمر على أهلها من خلال المعابر ومحاولة قوات الاحتلال اذلال الفلسطينيين على هذه المعابر ، والتضييق عليهم في مزارعهم ومتاجرهم ومدارسهم ببرامج تكاد تهتم بأدق التفاصيل حول هذه المعاناة.
اما القدس فقد قدمت الجزيرة ولا تزال الكثير من الملفات حولها سواء من سياسات الكيان الصهيوني او ما يعرف ببلدية القدس الصهيونية للتضيق على المقدسيين لتفريغهم من ارضهم واحيائهم وخاصة القدس القديمة تمهيداً لتهويدها ، ومحاولة هذا الكيان العبث بالمسجد الأقصى تمهيداً لهدمه من خلال الانفاق التي تحفرها اسفل المسجد والاقتحامات شبه اليومية من قطعان المستوطنين الصهاينة لباحات المسجد.
اما قضية الاستيطان على حساب أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية فتفرد لها القناة مساحات من بثها بحيث تبين خطورة ما يقوم به هذا الكيان من ابتلاع لإراضي الفلسطينيين لإقامة مستوطناتها عليها. 
ولا تنسى هذه القناة الفلسطينيين الذي لم يغادروا ارضهم بعد النكبة سنة 1948م ، او ما يعرف اصطلاحاً بعرب الـ48 والتركيز على تشبثهم بالبقاء على ارضهم وفي احياءهم ومقاومة كل اشكال التهويد والتضييق عليهم من سلطات الاحتلال ، ولا ننسى تبني قضية الشيخ رائد صلاح الذي تعرض للسجن اكثر من مرة نتيجة مواقفه في الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى.
ان انطلاق شبكة الجزيرة الإعلامية ازعجت الاعلام الرسمي العربي وحاربها بكل ما أوتي من قوة وحاول التضييق عليها ، بل ان كثير من الدول اغلق مكاتبها وسجن مراسليها اكثر من مرة احتجاجاً على سياساتها الإعلامية تجاهها ، كما حدث مع منتج الاخبار فيها المصري محمود حسين عندما اعتقله أمن مطار القاهرة اثناء عودته لقضاء اجازته وقد اعتقل أواخر سنة 2017م ولا زال معتقلاً الى الان ، الا ان هذه السياسات ضدها لم يثنيها من متابعة سياستها الإعلامية وان تعرضت مسيرتها لبعض الهنات والاخطاء كما ذكرنا في بداية هذا المقال حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، او تغطيتها للحرب على اليمن ففي بداية هذه الحرب كانت ضمن دول التحالف التي تقوده السعودية وبعد خلافها معها وحصار الأخيرة لها انسحبت من هذا التحالف واخذت تهاجمه ، كما ان مهاجميها يتهمونها بأنها اول قناه عربية تُطبع مع الكيان الصهيوني فقد فتحت الفضاء العربي للإعلاميين والسياسيين الصهاينة لطرح وجهة نظرهم. 
اخيراً وليس آخراً ، ان الاعلام العربي لم يعد كما كان قبل ظهور قناة الجزيرة فهذه الحرفية التي انتهجتها القناة في تغطياتها الإخبارية وبرامجها الحوارية والموضوعات التي تطرحها ، اضطرت الاعلام العربي الى تحسين اداءه لتكسب ثقة ومصداقية لدى المشاهد ، وليس هذا وحسب بل نجد كثير من الدول قامت بإنشاء قنوات فضائية مستقله او لا تتبع للدولة الممولة لها بشكل مباشر لتكسب ثقة المشاهد العربي وتكون منافسة لقناة الجزيرة ومصدر اخر للمعلومة لدى المشاهد العربي.
د. معن علي المقابلة
باحث وناشط سياسي
Maen1964@hotmail.com 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)