في الجامعات ليس كما في الوزارات والمؤسسات الحكومية، يفترض أن يكون رئيس الجامعة هو الأكثر حكمة و كفاءة والأبعد رؤية، والأقدر على حل المشاكل التي تعاني منها الجامعة، وأعني بالأكفأ من هوعلى اطلاع ودراية بحجم التحديات التى تواجه الجامعة، ولدية برنامج عمل واضح وضمن فترة زمنية محددة لمعالجة مثل هذه التحديات كبيرها وصغيرها، هكذا يفترض، لكن لا تبدو الأمور كذلك للأسف الشديد..

فى مقالات متعددة كتبت عن أهمية أن يكون رؤساء الجامعات من خيرة الخيرة، الذين يتم اختيارهم عبر لجان "بحث وتقصى" ومن خلال "أسس ومعايير" أكاديمية وأدارية واضحة وعلى اهمية ان يعقد مجلس التعليم العالي جلسات "استماع" لأفكارهم ورؤاهم لتطوير الجامعة، لأنهم هم الأساس في نمو الجامعة أو تراجعها، فرئيس الجامعة أما أن يصبح "علما" كبيرا في تاريخ الجامعة أو أن يكون "كبش" محرقة، ولا شيء بينهما! 

الحقيقة المؤسفة التي لا مفرّ منها أن هناك فرزاً واضحاً للقيادات الأكاديمية على كل المستويات، على اسس لا تمت للعملية الأكاديمية ولا للقدرات الإدارية بصلة ، تدخلات خارجية، ضغوطات نيابية، شللية، عشائرية، تلميعات انجازات جدلية، والشواهد على ذلك كثيرة وقديمة، ولا زلنا نجتر هذا الواقع منذ سنوات ومع كل تغيير في رئاسة أى جامعة حتى وإن كانت جامعة خاصة. ذلك الواقع يبدو أكثر وضوحا، وأشد عمقاً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها جامعاتنا الأردنية، التي يعاني معظمها من الإفلاس والعجز المالي، و لا تسمع من القائمين عليها سوى الشكوى والتذمر وتحميل الآخرين وزر التراجع و صعوبة الأوضاع المالية، وكأن الآخرين هم وحدهم من أوصلوا الأمور إلى هذه الحافة، غافلين عن الحقيقة الازلية " لو دامت لغيرهم ما وصلت اليهم!!
أخطاء الإدارات السابقة، وتراجع الحكومة عن تقديم الدعم المالي، وتداخل الصلاحيات بين الجامعات والحكومة أصبحت المشجب الذي نعلق عليه صعوبة الأوضاع المالية فى معظم الجامعات، وراحت هذه "الاسطوانة" تدار تارة بمناسبة وأخرى بدون، بل تعدى الأمر إلى كل مناسبة ثقافية أواجتماعية أوإعلامية يجدها البعض فرصة لتحميل الآخرين وزر الأخطاء والهفوات التي وصلنا إليها، والسؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا لماذا لا يكون من بين ظهرانينا رؤساء، ومدراء وقيادات فذة كتلك التى نقرأ عنها أو نسمع بها، لماذا لا يكون لدينا النسخة الاردنية من "ستيف جوب" الذي نقل شركة أبل من شركة على وشك الانهيار فى عام 1998 إلى أن تصبح الشركة الأكبر في العالم لا بل فى التاريخ من حيث قيمتها السوقية، او من هم على شاكلة "جوردن بثوين" Bethune, Gordon الذي استطاع نقل شركة الكونتنتال للخطوط الجوية من الإفلاس عام 1994 إلى أن تتربع على عرش أفضل شركة طيران في أمريكا عام 2004. لماذا لا يتوفر لنا من هم على شاكلة "جوناثان كول" صاحب كتاب الجامعات الامريكية العريقة The great American Universitiesوالذى كان له كبير الاثر فى تطوير الانظمة الاكاديمية فى جامعة كولومبيا وغيرها من الجامعات الامريكية، لماذا لا نحظى برؤساء قادرين على تحويل الفشل الى نجاح وتحويل الاحباط واللامبالاة الى نشاط علمي وبحثى كما هو الحال فى الجامعات العريقة؟؟ 

هل المشكلة فى المجتمع الذى يعتبر موقع رئيس الجامعة كمن يلعب على حد السيف، ويتعاطى معه وفق هذا المنظور، فإن نجح في قيادة الجامعة للنمو والتطور ومعالجة التحديات التى تواجه الجامعة يتوج "بطلاً قومياً"، وإن فشل وتراجعت الجامعة فسيكون ككبش محرقة عند خصومه بمن فيهم أقرانه وزملاءه، وكأنه حينها يلعب لوحده!! وفي هذا التعاطي المبخس لا أستثني أحداً من الرؤساء السابقين ولا اللاحقين!!!

قد نتفهم تلك الأحكام الجائرة بحق بعض الرؤساء حين تصدر من النقاد والمشككين الذين يسبحون في بحر "التعصب"؛ أقول أتفهمها ولا أقول أتقبلها، ولكن كيف لي ولغيري من المتابعين لما يدور على الساحة الأكاديمية أن نتفهمها حين تصدر من بعض الرؤساء المخضرمين، وأصحاب القرار وهم يهاجمون بعضهم بعضا!! حتماً لا يمكن تفهمها فضلاً عن القبول بها، ولكنها –من المؤسف– أنها اصبحت واقعا ملموسا وهي الحقيقة المرة التي يدفع فاتورتها التعليم العالي، أقول التعليم العالي ، فهل من مستجيب!!