طلبة نيوز-أ.د يسف أبو حميدان
لقد اصاب الفيروس مجتمعنا فابتلينا بالنفاق والرقص لكلمات التافهين التي لا تطرب ، واصبح الواحد منا يطأطأ رأسه إذلالا لا تواضعاً أمام أصحاب الألقاب، وبات الجميع يتراكض أمامهم ويناديهم بألقاب منحت لهم ، ولو استطاع أصحاب الألقاب لأضافوا القابهم إلى شهادات ميلادهم.

هناك أشخاص تصنعها الكراسي ، وهناك كراسي تصنعها الأشخاص، فالذين يصنعون الكراسي بأسمائهم تبقى رؤوسهم مرفوعة ويعتزون بأنفسهم لأنهم يمتلكون المعرفة والصدق والكبرياء. فلا تدغدغهم أن ينادوا بألقاب لأنهم هم من صنع الألقاب ولم تصنعهم الألقاب.

وقد اختلط الأمر على الناس فأضحى الجميع يتشدق بمعرفته بفلان وعلان. فهو يعرف دولته ، ومعاليه و الباشا ورئيس مجلس النواب، و أن نسيبه فلان أو علان.تجدهم في الأفراح وفي المناسبات يتراكضون ليظهروا للآخرين أنهم يعرفون فلانا وعلانا صاحب المعالي والألقاب الكبيرة. وأصحاب الألقاب الذين يستحقون ألقابهم لا تبهرهم هذه المواقف وهذه الحركات، في حين أن ضعاف النفوس منهم تجده يختال بين الناس وكأن الدنيا لم ترى غيره.

ليس كل ما يلمع ذهباً فالناس يختلفون بسماتهم وشخصياتهم فالتواضع من شيم الكرام . والرقي والحضارة والمعرفة لا تقاس بالألقاب والمناصب بل بما يمتلك الإنسان من معرفة وفهم وحسن تدبير وفكر نير وإن تحدث أبدع وإن ناقش أقنع و إن جاهر بقول الحق يُسمع. فهيهات لمن لم يصاحب لقبه صفات مثل هذه.

والحق أن نقول أن المعرفة والعلم والفكر لا تحتاج إلى مال وأرقام في البنوك كي تبهر الآخرين. فأغلب العلماء والأدباء و أصحاب الحجج ماتوا وهم لا يملكون ثمن أكفانهم . ولكن اسماءهم وفكرهم ما زال حياً غنياً أثرى الكثيرين و أنار درب الجاهلين .

ابكيك يا وطني فهذا زمن الرويبضة كما قال الرسول صلى الله علية وسلم، فلا مكان في وطني لأصحاب المعرفة والفكر الحقيقي ، بل أضحى النفاق والكذب هم ديدن هذا الفئة الضالة من الناس. وكم أتمنى أن يفهم الخارجون عن المعرفة أن العلماء هم السند الحقيقي للأمة.

فقارون مات وغيره من أغنياء التاريخ والحاضر قد ماتوا ولكننا عندما نذكرهم إنما نتذكرهم للعبر . في حين أن العديد من العلماء والمفكرين ومن كافة الملل والحضارات عندما نذكرهم نتذكر مآثرهم وما قدموه لنا من فكر ومعرفة. وكما قال الشاعر:
الا استفيقوا أيها العرب فقد طغى السيل حت غاصت الركب
فيما التعلل بالأمال تخدعكم وانتم بين راحات القنا سلب

أعود و أقول أن ليس كل ما يلمع ذهباً ، ولا تقاس حضارات الأمم بأموالها فنحن محاطون من كل مكان بأقوام مليئة بالدراهم ولكن يبقى السؤال ماذ قدموا للحضارة والبشرية.