الدكتور علي المستريحي
حرقت سبعين سنة من عمري، وأمتلك من الملايين الملايين .. دخلت كلها خزينتي زورا وبهتانا، درهما يلحق مهرولا بخبث ودهاء وراء درهم أكثر خبثا ودهاءا! لا يهم ! فأنا، إن لم يخب ظني، وتذكرون أيها السادة، كنت ممن باعوا مؤسسة الاتصالات واشتروا بثمنها شركة للاتصالات .. وأنا، إن لم يخب ظني، وتذكرون أيها السادة، كنت ممن دلّل على قلعة صلاح الدين، بل بعت صلاح الدين نفسه وفوقه الدين كله !! لا تتعجبوا ! فقد سرقت الماء من العطشى وبعتها للعطشى .. سحبت التراب من تحت أرجل الغلابى بغور الشونة ثم ضيّقت عليهم عيشهم ليعملون بمزارعي .. أنا من سرق جرة السمن من حرّة المفرق وباعها عسلا للملكات .. لا تستغربوا، فقد راهنت مرة على بيع هواء عجلون وبرقش، وكدت أن أفعل، لولا أنني خفت أن أختنق ! راهنت على بيع عمامة وسيف رسول الله، لكني لم أجد المشتري، وعندما وجدته، لم أجد العمامة والسيف !! لا تتعجبوا .. فقد كان باب مغارة هرقل مفتوحا والحارس رصدٌ هو صديقي ! هكذا جمعت ملاييني أيها السادة .. لا يهم .. فقد كان هذا طموحي عندما كنت أحرق العشرين سنة الأولى من عمري بأخضرها ويابسها ..
ولكن، ماذا أفعل الآن بهذه الملايين ؟ السفر ؟ لقد مللت السفر، ولم أعد أطيقه حتى، بل لم أعد أقوى عليه أصلا ! .. قصور وأطيان؟ ملكت منها الكثير، ولم أعد أدخلها إلا ما ندر .. أراض ومزارع ؟ لا أعرف الكثير منها حتى أين يقع ! أفخر الأصناف من الأكل ؟ "الديابيتس" والدهون قضى عليها جميعا .. الأمن والأمان ؟ حصّنت نفسي بأبواب مرصّعة، باب يسد بابا، حتى لم يعد يعودني من الأصدقاء أحد .. الأصدقاء ؟ أي أصدقاء ؟ كلهم رحلوا ولم يبقى منهم أحد .. أوزعها على الفقراء والمحتاجين ؟ هي حقهم أصلا، ولا أجر فيها .. سلطة وجاه؟ لم يعد يذكرني أحد، حتى أنا نفسي لم أعد أتذكر حتى اسم خادمتي، فاسمها اليوم "غاتي" وبالأمس لا أتذكر .. حتى جاهات الخطوبة لم أعد أعرف الخاطب من المخطوبة من الشهود .. وعندما أستشهد بآي من القرآن الكريم، أدخل "النساء" بـ "آل عمران"، وأدخل مريم بـ "الكهف" .. وعندما أحاول فك التداخل، أستبدل "آل عمران" بـ "الحجرات"، و "مريم" بـ "يوسف" !!
ماذا أفعل بالملايين بأرذل العمر؟ فلم أعد أحتاجها ولم تعد تحتاجني .. لكن مهلا .. ليس همي أيها السادة كيف جمعت الملايين، ولكن قضيتي هي عندما يسألني ربي كيف وفيما أنفقتها !!
اضف تعليقك