TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مجتمع الكراهية ...!؟
12/01/2020 - 6:45am

أ.د. محمّد القضاة
تجلس في أي اجتماع وفِي اأي جلسة وترى العجب، تتساءل ما بال الناس يكرهون بعضهم بعضاً! ما بالهم يأكلون لحم بعضهم، ويستمر المشهد والألم والحزن والسؤال تلو الاخر وتجد نفسك امام نار تنتشر في الهشيم، وهذا يدعنا ان نقرأ بعناية هذه الظاهرة ونناقشها من أوسع ابوابها لمعرفة نتائج استمرارها في مجتمعنا الذي كان مضرب الأمثال في محبته وتواضعه وإنسانيته، واليوم بات الامر مختلفا؛ لان كارهي الخير يسدّون بكرههم عين الشمس، وأقول تعالوا لتقرأوا حجم هذا الجرح كيف اتسع وأصبح دائرة تلتهم عناصر الخير، تعالوا لتروا كيف أصبح اليائسون! وكيف غدت أواصر التراحم والمودّة ؟ وكيف أضحى حال العمل في مؤسسات المجتمع؟ تعالوا لتروا المحن إلى أيّ حدّ زادت! والعفن إلى أيّ درجة طفا على السطح! ولتروا السفهاء والجهلة كيف همُ اليوم؟ وفي المقابل تروا مآلَ الشرفاء والأوفياء والأصفياء والانقياء، تعالوا وانظروا إلى تنامي الجرائم في المجتمع، والى الجشعين والحاقدين، أولئك الذين تبوّؤا المكانة الفضلى في زمن انقلبت فيه الموازين، وانظروا إلى مناهج الجهلاء من أنصاف العلماء ممّن ضاعت عقولهم، وغابت مناهجهم في أتون الحقد والكراهية، تعالوا لتروا وجعَ الناس في زمن يستأسد فيه الأذلّة، تعالوا وقارنوا بين ذلك الجيل الذي تربّى على البساطة والقلّة والإيثار، وما يشيع في حاضرنا من سخف وصَغار وأوكار ومواخير لا نهاية لها. تعالوا لتقرأوا أنّ الصمت في مجتمع الكراهية حكمة، والحديث في حَلَبَتِهِ بلاهة، واحترام الصغار سفاهة، وعلمهم وفكرهم جهالة. وأنّ الكبار كبارٌ بحضورهم وجدّهم وصبرهم وعلمهم؛ فكلامهم رقي، وقرارهم حكمة، وكتاباتهم مدرسة وعبر وعظات، ولفتاتهم إنسانيّة. 
ومن يقرأ الحاضر بِعَجَرِهِ وَبَجَرِهِ ويتأمّله بعين باصرة ويتابعُ تفاصيلَه اليوميّة وانعكاساتِه المباشرة وغير المباشرة، يدرك أننا امام معانٍ تجفّ وأفكار تنضب ومبادئ ترحل وأعراف تسافر وعادات تقلع، وإمام هذا الواقع المرّ : ما جدوى الكتابة ؟ حين تعرف أنّها تهدف إلى أمرين؛ أولهما تطهير الواقع من العفن والرحيل به إلى الأحسن والأفضل، وثانيهما تفريغ النفس من ضغوطاتها وإحباطاتها، وحين تقرأ كتابات لا تغني ولا تسمن من جوع؛ كتابات بلا معنى وبلا هدف وبلا قيمة، وحين تكتب انت تدرك أنك تكتب أحياناً لمن لا يقرأ! ولمن لا يؤثر فيه المدفع! عندها تضرب اسادسا باخماسٍ، وتجد أنّ كلّ أساليب الكتابة وسقوفها بلا فائدة؛ لأنك ستكون المغرّد الوحيد في عالم تتقاذفه نرجسيّات المنافع والمصالح. وهل تكون الكتابة ذات جدوى إذا عرفت أنّ من يتسنّم المكان لا يستحقه، ويحوز من المكاسب على ما لا يستأهل! تعالوا لنرى ماذا حلّ بِنَا، وأين كنّا وأين أصبحنا، نحن أمام غرائب وخرائب وعجائب، فمن ينقذ الحروف من ثقلها وغربتها؟ ومن ينقذ الناس من لا مبالاتهم ؟ ومن يعيد للزمن الجميل وجهه الأصيل؟ ومن يُرجع للبراءة فطرتها؟ وللمؤسسات هيبتها؟ وللإنسان إنسانيته؟ ما أكثرَ الأفكار في زمن اللامبالاة! وما أكثر الأسئلة في زمن الاستهتار! نعم، نحن أمام كارثة الكراهية وفيها لا يحترم أحد، ولا يؤخذ فيها بالنتائج التي تصبّ في ضياع الصحيح وفقدان الأمل، نحن في مجتمع الكراهية الجديد الذي يفقد فيه المرء أبسط حقوقه، وحين يطالبُ البسطاء ُبحقوقهم تنهضُ الوحوشُ من أوكارها تجمعُ أعمارها المنتهية وتضغط بأحابيلها بكلّ الوسائل لنيل قهر المستحيل.
وبعد، وعلى الرّغم من كلّ ذلك لا تيأسوا؛ فقراءة التاريخ تعلّم الإنسان أنْ لا مستحيل، وأنّ الصغار إلى زوال، وأنّ الجدّ والعمل الدؤوب هو الذي يبقى، وأن الفاشل والمدلّس والمنافق حتمًا سائرون إلى الجحيم، وأنّ الظلام لا بدّ سيمّحي، وفي الختام لا بد ان أوجه أجمل العبارات للقابضين على جمر الحياة كي يبقى الصدق والعمل الصحيح بلسمُ الحياة ورونقها الجميل .
mohamadq2002@yahoo.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)