TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
محرابُ الصّمت !
14/04/2015 - 6:30pm

طلبة نيوز-
بقلم : الشيخ سعيد نواصره آل عبادي

حين يتسلق الوجعُ منتشياً جدارَ زمني ..
ويجثو فوق ظلّي ويستبيح مُدُني ...
فإني سأغلق نافذة عمري ..
وألمْلِمُ بقايا أشرعتي وسفني ..
سأمزق قافية شعري ..
وأمحو الزارعين فرحاً جداولَ بستاني ..
لن أكتب بعد اليوم وجوه المارّين على دفاتري ..
فزائرتي لا تأبه بحاضري ...
ولا تألْمُ لكَفنَي ..!
عمّانُ ما عادت رائحة البيوت فيك تغريني ..
قد ضيّعتُ لهفة بصري ..
سامحيني !
وقصصتُ ضفائر عشقك لأجْلِدَ بها حنيني ..
أعلمُ أنّكِ صرت أمسي وشمسي وقمري ...
وإنّي لو سُقيتُ ترابك لكفاني ..
لكنّي سئمتُ مطاردة الأحلام وانتظار الربيع ..
وأنا مُكبّلٌ بالطرقات الثقيلة وبالغروب ..
أستجدي أنفاسي !
وأرتّلُ كلّ يومٍ طقوس قهري ..
أعتكفُ في محراب الصّمت المُريع ..
فقد غدتْ كلّ القصائد المنسيّة وطني !
أيُهذا الجاثمُ على أطراف أجنحتي ..
مدينة الأشباح تناديني ..
والرّيح تعاديني ..
ولا قناع عندي أو قربان كذبٍ يُنْجيني ..
فإنْ نهَضْتَ عنّي وتركتني استفردوا بمساحاتي ..
وتثاءبت عليّ الحروف لتُرديني ..
فابْقَ يا صمتُ لا تَرْثُ الكلامَ ..
ولا عن محرابك تكُفّني ..
حين أتيتُ أوّل مرّة تطاولتُ السحاب ..
و تحت قدميّ خبّأتُ قديمَ صوري ..
صحِبتُ الصغار والأشجار وسكنتُ التراب ..
كنت أنسجُ من فجرك حكاياتي ..
وأرسم على النجماتِ قدَري ..
حملتُ في جيبي بعضُ الضحكات ..
وعطّرتُ باليقين شوقاً دون ارتياب !
حَمَلتْ نفسي طفلاً صغيراً يرفضُ الألعاب ..
وفي غفلةٍ من العيون يرتّبُ خيالاته ..
براءة حرمانه تبتسم للمجهول ..
كان يسرق من أحاديث الكبار حُلُمَه
ويضمه بين ذراعيه ويجري ..
يقطفُ بنظراته الشاحبة أنوار المساء ..
يمسحُ بها عن وجهه غبرةَ السّراب ..
جئتُ وقد أبْحَرَتْ في قلبي مساءاتٌ ذهبيّة ..
مكتوبٌ على ناصية صفحاتي شِقوة الأصحاب ..
أومأتُ بقلم الأحزان إلى سرّي ..
وتوّجْتُ العابرين على جرحي قلائدَ النّسيان ..
ثمّ ألبستُ الثأر ثوباً لا يُهاب ..
هنا اليوم ثعلبٌ في كلّ زاويةٍ ..
وشوارع مدينتي موشّحةً بالعويل والذئاب ..
فبات الليلُ يؤرّقه خوفٌ في الأزقّة يسري ..
لا الفرحُ فرحٌ ..
ولا الخُطُوات يُسابقها مرحٌ ..
تستفيق أيامنا على ضجيج سكوننا المُستبد !
ويستوطنُ الأجسادَ ضجرٌ وهربٌ وغُراب ..
همدَ عنفوانُ الشّعر في صدري ..
ولفّ بيوتنا نزقُ المكان ..
يتسلل خلال أشيائنا خافتاً كالضباب ..
يُقيّد منّي محطات سَفري ..
ويهزأ بأوراقي واشتياقي وفِراقي ..
ينأى بالهواء عني ويحجبُ الاقتراب ..
أمّا شعراء مدينتي فماتوا ثانية ..
قيسُ ليلى هجره الليلُ وهجاه سفْحُ اللقاء !
ومتنبي الأمراءِ أنْكرَتْهُ الخيلُ والبيداء ..
ثم سكتت الأنشودة و انقطع مطرُ السيّاب ..
ما بقي في مدينتي إلا نحيبُ الفقراء ..
وغربةُ صدى الأيام والوطن ..
ومن أسن الوجوه الساكنة ألفُ داء !
جفّت غُدران أرواحنا ..
هجرتها الطيور البيضاء ..
انتفشت الأفاعي وانتشرت تقتلُ بلا ناب ..!
على ضِفاف أوجاعنا نرْقُبُ غيابَ العمر ..
ونزجرُ عِشقنا المذبوح بالسنين ..
نكمم أفواه أصواتنا الخجولة ..
ويجتاحنا فارسُ الغدر ..
بكلّ ما يفقد من الرجولة ..!
وبعدها يمضي تاركاً لنا الغياب ...
محراب الصمت أم صمت المحراب !
أيهما كان النهاية ..
لا فرق فكلّاهما قد اقتحم الباب ..
وصرنا للمدينة كَمِثلِ دمىً وألعاب ..
ربما ننجو ذات مرّة ..
أو يصفو لنا في البحر طريقُ الرّحيل ..
ولكن لا بدّ من الاغتراب ..
بلا وداعٍ أو عناقٍ ..
وبلا عتاب ..!
حينها سنجمعُ فُتاتَ أرواحنا دون عناء ..
سنمزّقُ أسماءنا الباهتة ..
ونتذوق فراغ الحروف من الغناء :
يا عذاب !
أما غفلة منك يَحيى فيها النقاءُ ..
أو يتحرّر بها من سجنه اللقاءُ ..
يا عذاب !
قد سُقينا العمر سُمّاً ..
نقاسي همّاً جرّ همّاً ..
رفقاً يا عذاب ... رفقاً يا عذاب !
وإذا طال صمتُ الحائرين ..
فاسألوا المحراب عنهم ..
قد سكتَ قبلهم دهراً ..
فكيف بالحزن لا يَعِدْهم !
وكيف لا يُعاب ..!
في مدينة السّراب ..
لكلّ مهاجرٍ فيها ألفُ مِحراب ..
ليس فيها من لغات الكون شيئاً !
فلا تلوموا السائلين عنها ..
حين يَرَوْنَ ما لها من جَواب ..
لو اتخذوا البحر هَرَبَاً ..
ثمّ توارَوْا بالحِجَاب ..!

التعليقات

hala1 الثلاثاء, 04/14/2015 - 18:45

بووووووووووركت يا شيخنا الفاضل .. وسلمت يدك لما خطت من كلمات رائعة ومعبرة وما تحمله من رقي الفكر والاحساس والتصور والتعبير

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)