TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مدينة الوباء ..
02/04/2015 - 8:30pm

طلبة نيوز-

*بقلم :الشيخ سعيد نواصره آل عبادي

مدينة الوباء ..

( 1 )
منذ القدم اغتالوا قلمي ..

سرقوا مني أكثرَ حروفي !

وبقي مني بعضُ أسمائي ..

لعلّي أخفيها وتُخفيني ..

ولعلّها عند رجوعي تُحييني ..

أوراقي الصغيرة استسلمي ..

لا تبوحي

لا تنوحي

اهدأي واسكني ونامي..

تهيأي لغدي ..

فقوافل الأحزان ستغزو مسائي ..

وتستبيح عروق شعري ..

سـتأسِر فرحي وتذرُ خوفي ..

( 2 )
دعيني أقرأ عمري قبل قدومي ..

فملامحي تتلاشى !

وأنا ظمآنٌ .. قد جفّ ظلّي ومائي ..

كانت بيوتنا السّمراء تبكي أمامي ..

ترقدُ على أطراف الزمن ..

تترامى في أروقة النسيان ..

وجعُ الطيور هناك لا تنتهي قصتُه ..

هي لا تعانق الشمس في الصباح !

لا تغرّد أو تلعبُ مع الصغار عند الحقول الهادئة !

كانت تأنُّ كما إنسان ... ! يكابد بردَ ليلٍ متجبّرٍ بلا دفءٍ وبلا مكان ..

كلّ الوجوه شوّهتها يدُ الأحزان الشّاحبة .. والعيون اكتحلت بسواد سنين ثكلى .. فقَدَت من أفراحها الصوتَ و كلّ الألوان ..

هناك سنابل القمح تمرّدت على أرضنا النائحة .. استعصت على الحاصدين .. ونار الخبز الشهيّ يفلِقُ دخانُها الغيمات .. لكنّه غير متاح في أيّ وقت .. ولا حين فراغنا من التوسّل .. ولا عند جوعنا المُهان ..

كلّ ليلةٍ .. أنصتُ كالمرتاب لهمساتنا الخجولة قبل نومي .. الضحك المبتور يهادن خلجات أرواحنا ..

يتدثر بالكذب الطفولي الحالِم ..

وبقصصٍ لا يُعرف لها راوٍ أو معنى أو عنوان ..

قاسمتُ رفاقي رغيفي المتآكل وأمنياتي وحلمي .. كتبتهم في زوايا دفاتري وجدران داري الخَرِفة ..

وحملتُ بقيّة صورهم المتكسّرة في حقيبتي الخرِقة .. غنّيت لهم وأنشدتهم ..

بألقٍ ولهفٍ يتسابقان ..

( 3 )
وصلتُ محطتي البعيدة تحملني خيولُ الدّهشة .. كفارسٍ مهزومٍ ! مُقيّدٌ بخرافة البطل الأسطوري ..

تحرسني من الهربِ أشباحُ ذكرياتٍ هزيلة عزباء .. لكنّي أختلسُ كلّ قليلٍ شيئاً مِن سطوري .. أرى بها مدينة الوباء !

المدينة السوداء ..

لا قمر فيها يوقف زحف الظلام إلى حجراتنا الخائفة ... سماؤها دخان رمادي .. وليس لأبوابها نوافذ لشمس أرواحنا .. لا سبيل في أرضها للعابرين ..

فكلّ طرقاتها أكثر من عمياء !

تشكو الأرصفة المخملية خطى أقدامنا المتثاقلة .. هي لا تقبلنا بهذه الوجوه الصامتة .. فبأيّ أوصاف تريدنا ؟ وبأيّ نفاقٍ تدوّن لنا التاريخ الجديد .. ؟ نحن ولدنا في قُرى لا تدري ما اللغة ولا الكلام ! ونبتنا من جبالٍ مُجدبةٍ عفراء .. يا مدينةً نَثرتْ على الجسد معابد الشهوات ..

وتزّينت بطوق الوجع والحزن والقهر ! وازدرت الحاجّين إلى طُهْر الكلمات .. قولي لي كي لا أشتهيك أو أتعلّم بعض الشّعر .. كيف يكون عنك العمى والسبات ..

وكيف يكون فيك الغباء ؟

المهاجرون إليك ليس لهم اليوم شيءٌ حتى الفتات .. يتأهبون للرحيل .. ويستعدون للسفر إلى جزيرة المستحيل .. أمّا أنا فغيابي يهجو حضوري ..

وسأبقى هنا أتقبّل بموتي العزاء ...!

التعليقات

hala1 الخميس, 04/02/2015 - 20:52

ابدعت .. كلمات رائعة جدا وجميله ومعبره

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)