TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مناقشة هادئة "لأطروحات" نتنياهو في الكونغرس!
29/07/2024 - 1:30pm

طلبة نيوز - د. أحمد بطَّاح
للمرة الرابعة في تاريخه السياسي يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي وهي فرصة لا يحظى بها إلا قلة من زعماء الدول الأجنبية وهي إن دلّت على شيء فإنما تدل على عمق العلاقة الاستراتيجية والحميمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وللتاريخ فقد لقي نتنياهو في المرات الثلاث السابقة ترحيباً حاراً ونال التصفيق وقوفاً من معظم أعضاء الكونغرس أما هذه المرة فقد قاطع أكثر من (80) مشّرعاً ديموقراطياً جلسة الكونغرس هذه، كما غابت عنه نجوم معروفة مثل "نانسي بيلوسي" رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، كما استنكفت عن رئاسة هذه الجلسة التي يرأسها عادة نائب الرئيس "كامالا هاريس" نائبة الرئيس "بايدن" والمرشحة المحتملة للحزب الديمقراطي.
ولكن... وبغض النظر عن هذه الأمور المُلفتة في جلسة الكونغرس التي خاطبها نتنياهو فقد كانت له فيها "أطروحات" تستحق الوقوف عندها وأهمها:
أولاً: أنه وضع الحرب الهمجية التي يشنها الآن على قطاع غزة في إطار معركة يخوضها مع الولايات المتحدة ضد إيران قافزاً في ذلك عن حقائق الأشياء، وبالذات عن حقيقة أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يعاني من احتلال ومن حصار قاسٍ دام أكثر من سبع عشرة سنة، وبالتالي فالمعركة هي معركة شعب تحت الاحتلال ضد احتلال يصادر الحرية، والحق، والكرامة.
ثانياً: أنه اعتبر أنه في حلف ليس فقط مع الولايات المتحدة بل مع "الأصدقاء العرب" متغافلاً في ذلك عن حقيقة أن الدول العربية: نظماً وشعوباً ضد احتلاله البغيض وهي حتى وإن عقدت معه بعض المعاهدات لأسباب سياسية ضاغطة لا يمكن أن تسَّوغ حربه الهمجية التي انطوت على تدمير، وتهجير وتجويع ضد الشعب الفلسطيني الشقيق.
ثالثاً: أنه اعتبر الحرب الدائرة الآن على أرض غزة وامتداداتها حرباً بين الهمجية والتحضر، والواقع أن صفاقة نتنياهو بلغت مداها في هذا الادعاء وبخاصة أن محكمة العدل الدولية -وهي أعلى محكمة عالمية تتبع الأمم المتحدة- تحاكم الدولة التي يحكمها بأم الجرائم وهي جريمة "الإبادة الجماعية"، وقد أصدرت في سياق ذلك بعض القرارات الاحترازية، كما أصدرت أمراً واضحاً لإسرائيل يقضي بعدم مهاجمة رفح، ويجب ألا ننسى في هذا السياق أن نتنياهو شخصياً مُتهم من قبل مدعي عام محكمة الجنايات الدولية (كريم خان) بارتكاب جرائم حرب وأن جيشه مُصنّف في قائمة "العار" التي تضعها الأمم المتحدة للجيوش التي تقتل الأطفال، فأين التحضر يا ترى؟ هل في تهجير سكان قطاع غزة أكثر من مرة؟ أم في تدمير أكثر من (70%) من مساكنهم؟ أم في تدمير البنية الصحية في مناطقهم بشكل شبه كامل؟ أم في تجويع أهل القطاع إلى الدرجة التي استفزّت ضمير كل ذي ضمير وعلى مستوى العالم!
رابعاً: أنه بدّا متغطرساً متعلقاً بالأوهام عندما طالب بصورة مباشرة باستسلام المقاومة الفلسطينية حيث ادّعى أن "الحرب يمكن أن تنتهي غداً "إذا استسلمت حماس ووضعت سلاحها جانباً" وكأنّ هذه المقاومة لم تقاومه ببسالة منقطعة النظير منذ ما يقارب العشرة أشهر، وكأنها لم تلحق به خسائر يومية وإلى الدرجة التي جعلت الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية الإسرائيلية "تطالب" بتوقيع صفقة لأنها بدأت تدرك أن لا فائدة من استمرار الحرب، ولا يمكن تحرير الرهائن (أو الأسرى) إلا بعقد صفقة، ولقد كان واضحاً تماماً من رسالة نتنياهو في هذا الخصوص أنه ما زال يعيش وراء سراب "النصر المطلق" الذي وضعه نصب عينيه منذ البداية ويبدو جلياً أنه سوف يغادر المسرح السياسي وهو يعاني من كابوس الفشل والإخفاق بدلاً من "النصر المطلق" الذي حَلُم به طويلاً.
خامساً: أنه بدا غير مدرك لدروس التاريخ ولِعبَره فهو بدلاً من أن يناقش مُدخلاً سياسياً لحل المشكلة الفلسطينية التي تطرح نفسها بقوة في "اليوم التالي للحرب" كحل الدولتين الذي ينادي به العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة فقد رأى أن إسرائيل يجب أن تحتفظ "بالسيطرة الأمنية" على قطاع غزة، وأن من يحكم القطاع يمكن أن يكون "جهات مدنية فلسطينية" لا تريد تدمير إسرائيل، وبمعنى آخر فإن نتنياهو يتنكر لحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير، وأنّ من بديهيات الأشياء أن يحكم كل شعب نفسه بنفسه بما في ذلك الشعب الفلسطيني. إن نتنياهو يتكلم بأسلوب المستعمرين الذين لا يرون للشعوب المُستعمرة أية حقوق، ومن هذا المنطلق فهو لا يرى في الشعب الفلسطيني الذي يزيد تعداده في الضفة والقطاع عن خمسة ملايين أكثر من أرقام (أو حيوانات بشرية!) كما قال وزير دفاعه "جالانت".
إنّ "أطروحات" نتنياهو أمام الكونغرس فاسدة بكل معنى الكلمة لإنها ضد المنطق، وضد دروس التاريخ، وحقائق الأشياء، والغريب أن يَستقبل بيت الديموقراطية الأمريكية (الكونغرس) مثل هذا الرجل، ويستمع منه ليس إلى حلول منطقية ورؤى إنسانية بل إلى أكاذيب صريحة، وادعاءات جوفاء، ومغالطات مفضوحة، وما يجري في الواقع يذكّر بالمقولة المعروفة (أنت تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت!) وإنّ غداً لناظره قريب.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)