TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نظرة من الداخل الى معوًّقات البحث العلمي في الأردن (1)
14/07/2020 - 5:30am

أ.د. نزار أبو جابر

مع كل أزمة جديدة تواجهنا تثار الأسئلة حول دور الجامعات والباحثين في تخفيف أو منع آثار هذه الأزمات. فيتسائل الجمهور، وبحق، عن الآلآف من حملة الدكتوراة الذين يعملون في جامعاتنا والذين يحملون مؤهلات راقية من افضل المعاهد في العالم، هل هم جميعاً انانيون، لا يكترثون إلى ما حولهم ويبحثون عن المال والمناصب وغيرها من متاع الحياة؟ أم إن إدارة المؤسسات التي يعملون بها تكسر لديهم روح المبادرة والانجاز، ليصبحوا كما من سبقهم، موظفين بمهام محددة، ومجال ضيق للإنجاز دون أي شكل من اشكال الإبداع؟
كثر الحديث عن دور قلة الدعم المالي في تفسير هزالة الإنجازات وتراجع مؤشرات البحث العلمي في الأردن. ولهذا السبب تم إنشاء صندوق دعم البحث العلمي وتمويله بسخاء نسبي. وفي حين كنّا نتوقع أن يسهم هذا في دفع وتيرة البحث العلمي، يشكو القائمون على الصندوق من قلة الإقبال على طلبات الدعم، ويبدو ان معظم الباحثين يفضلون الجلوس ضمن لجان الصندوق بدلاً من التقدم إليه للحصول دعم لمشاريعهم منه.
اذاً، أين الخلل؟
بعد خبرة قاربت على ثلاثين سنة في هذا المجال ، يمكنني الجزم بأن الحصول على تمويل مناسب للمشاريع العلمية ليس صعباً. بل على العكس، فإن المعضلة الكبرى هي في إنفاق هذا التمويل، والذي يدخل الباحث في متاهات بيروقراطية المشتريات الحكومية من إقناع وموافقات من جهات متعددة وتأخير عند اتخاذهم قراراتهم.
آليات المشتريات الحكومية اعدت لتزويد الدوائر الرسمية من خدمات ومستلزمات روتينية، عادة ما تكون متوفرة بكثرة في السوق المحلي وخاضعة للمنافسة من حيث السعر والنوعية. وكون مثل هذه المستلزمات عادية تعني انها غالباً تشترى بكميات كبيرة وتكون متوفرة في المستودعات عند الحاجة، وتأخير شرائها لا يؤثر كثيراً على سير العمل. المشكلة تكمن في عدم انطباق هذه الخصائص على مستلزمات البحث العلمي والتي تكون في الغالب متوفرة عند شركات قليلة في الخارج، عادة ما تكون معروفة فقط عند الباحث دون غيره. بالطبع فإن الإشارة الى شركة محددة مسبقاً تجلب الشبهة مباشرة.
إذا، المطلوب طرح عطاء. يتم صياغة ونشر اعلان في الصحف المحلية، ويتم إعطاء مهلة ثلاثة أسابيع لتقديم العروض. إذا لم يتم تقديم ثلاثة عروض يتم تكرار العملية. يتم تشكيل لجنة لفتح العروض وتفريغها، ويتم استبعاد العروض التي لا تلبي شروط العطاء من حيث السعر والمواصفات. عادة ما يكون المورد وكيل للشركة الأجنبية الصانعة، والذي يستفيد من إحتكاره لشيء لا يصنعه ولا يعرف كيف يصلحه وغير موجود لديه في مستودعاته لا المادة نفسها ولا قطع غيارها. والأنكى من ذلك غالباً ما يشارك في العطاء اشخاص لا يدركون الغرض من الجهاز المطلوب. تجد بأن الفرق بين سعر المورد في وثائق العطاء وسعر المصّنع على الشبكة يتجاوز 50%، ولكنك مجبر على الشراء من الوكيل.
ثم تجد عروض أرخص من شركات غير معروفة. المعضلة تكمن في تبرير تجاوز عروض "الارخص المطابق" ومحاولة الشراء من الجهة المعروفة والموثوقة. بالطبع فإن ذلك يتطلب التبرير والاقناع، وإلا فإنك ستحصل بعد كل هذا العناء على جهاز لا يلبي احتياجاتك و "محسوب عليك".
إذا، يتم إحالة الشراء الى الشركة المرغوبة بسعر مبالغ به، ويتم فتح الاعتمادات وغيرها من الإجراءات المالية والفنية (والتي انت غير معني بها ولكنك تصبح خبيراً بها إن اردت الحصول على نتيجة)، وتنتظر على أحر من الجمر الشحن والجمرك والتخليص والتركيب ولجنة الاستلام. وتكون بذلك أكبر بسنة من عمرك مما بدأت. والآن يجب ان تكتب التقرير السنوي الأول للجهة الداعمة، شارحاً عدم إنجاز شيء من المشروع لغاية الآن.
ان تطبيق آليات الشراء الحكومية على مستلزمات البحث العلمي هي من إحدى أكبر أسباب الإحباط بالنسبة للباحثين، وهي مضيعة للوقت والمال والجهد واحد اهم الأسباب الداعية للعزوف عن التقدم للمؤسسات الداعمة والتي ندعو أن تدرك إن عليها دورا في دفع عجلة البحث بتوفير انظمة تنظم آليات الشراء بمعزل عن روتين الإشتباه.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)