بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة
وصفي التل، ذلك الاسم الذي لا يغيب عن ذاكرة الأردنيين، سيظل خالدًا في قلوبهم رمزًا للرجولة والوطنية الحقة، وشخصية استثنائية نادرة في تاريخ الوطن. مرّت 53 عامًا على استشهاده، ورغم ذلك لا تزال ذكراه حيّة تنبض بالعزة والكرامة، لأن وصفي لم يكن مجرد رئيس وزراء عابر أو مسؤول في منصب رسمي، بل كان تجسيدًا لأسمى قيم الإخلاص والشجاعة والتضحية.
لقد أحب الأردنيون وصفي التل لأنه كان من معدن مختلف، معدن القادة الحقيقيين الذين يضعون الوطن في مقدمة أولوياتهم، والذين يضحون بالغالي والنفيس من أجل رفعة بلادهم. وصفي كان الرجل الذي لم يخشَ المواجهة، ولم يساوم على قضايا الوطن، وكان دائمًا صريحًا وواضحًا في كلماته وأفعاله. إنه الرجل الذي جمع بين رؤية القائد وإخلاص المواطن، فلم يكن يومًا بعيدًا عن هموم الناس وقضاياهم، بل عاش بينهم وحمل همومهم كما لو كانت همه الشخصي.
تمر ذكرى استشهاد وصفي التل في وقت نحن بأمسّ الحاجة فيه إلى استحضار قيمه ومبادئه. كانت رسالته واضحة لا لبس فيها: الوطن أولًا وأخيرًا، ولا مكان للمساومات أو المصالح الضيقة. في زمن تكالبت فيه الأزمات على الأردن، نجد أن الأردنيين يحنّون إلى قائد من طراز وصفي التل، رجل يستطيع أن يعيد الثقة في الدولة، ويوجه السفينة نحو بر الأمان، مستندًا إلى الإخلاص والشجاعة.
إن حب الأردنيين لوصفي التل ليس فقط بسبب استشهاده في سبيل الوطن، بل لأنه كان مدرسة وطنية بكل معنى الكلمة. كان يؤمن بأن الأردن يجب أن يكون قويًا ومستقلًا، وكان يرى أن الهوية الوطنية الأردنية هي الأساس الذي نبني عليه مستقبلنا. لم يكن وصفي قائدًا يبحث عن مجد شخصي، بل كان زعيمًا يسعى لتحقيق مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. ولهذا السبب، ما زالت ذكراه تلهم الأردنيين وتدفعهم للبحث عن قادة يحملون ذات الروح وذات الإصرار.
في هذه الأيام، ونحن نعيش في مرحلة حاسمة من تاريخ وطننا، تصبح ذكرى وصفي التل مناسبة لنا جميعًا لإعادة النظر في ثوابتنا وقيمنا. إن الأردن، الذي أنجب وصفي وغيره من القامات الوطنية الكبيرة، لن يعجز عن إنجاب قادة يحملون نفس الروح ونفس الإصرار. لكن تحقيق ذلك يتطلب منّا أن نكون أوفياء للمبادئ التي عاش واستشهد من أجلها وصفي. يجب أن نرتقي فوق المصالح الشخصية، وأن نضع مصلحة الوطن في مقدمة أولوياتنا.
وصفي التل لم يكن مجرد قائد، بل كان صاحب رؤية عميقة في السياسة والعمل الوطني. كان يدرك أن بناء الدولة يتطلب تضحية وجهدًا، وكان يرفض بشدة النزعات التي تهدف إلى تقويض وحدة الوطن أو زعزعة استقراره. لقد حمل روحه على كفه عندما ذهب إلى القاهرة ليقول كلمة الأردن بشجاعة ووضوح، دون أن يتراجع أو يتردد، رغم كل المخاطر التي أحاطت به. واليوم، نحن بحاجة إلى رجال دولة من هذا الطراز، رجال لا يخشون الحقيقة، ولا يترددون في مواجهة التحديات.
إن ذكرى وصفي التل ليست فقط استحضارًا لتاريخ رجل استثنائي، بل هي دعوة لكل أردني لإعادة تأكيد الولاء للوطن، والعمل على تحقيق نهضته واستقراره. إن الوفاء لذكراه لا يكون فقط بالكلمات، بل بالأفعال التي تعكس التزامنا بقيمه ومبادئه. نحن بحاجة إلى استلهام شجاعته وإخلاصه في مواجهة التحديات التي تحيط بنا، وأن نعمل على حماية هذا الوطن من أي محاولات للعبث بأمنه واستقراره.
رحم الله وصفي التل، وجعل ذكراه مصدر إلهام لنا جميعًا، ونسأل الله أن يحمي الأردن قيادةً وشعبًا، وأن يبقيه وطنًا آمنًا مستقرًا يتسع للجميع، كما أراده وصفي وأحبّه. إن الأردن سيبقى قويًا بمبادئه وقيمه، وسيظل أبناؤه أوفياء لدماء وصفي الطاهرة التي سالت فداءً لهذا الوطن العظيم.
اضف تعليقك