TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
إنسانيّة الحيوان وحيوانيّة الإنسان
24/04/2014 - 3:00am

طلبة نيوز-أ.د. صلاح جرّار
لم أعد واثقاً تماماً من المقولات التي تنسب إلى بني البشر الاختصاص بما يسمّى المشاعر الإنسانية من عطف وحنان وحزنٍ وفرحٍ وحبٍ وبغضٍ وغير ذلك، كما لم أعد واثقاً من المقولات التي تزعم عدم وجود مثل هذه العواطف في عالم الحيوانات والطيور، ولذلك وصفوا المشاعر الطيّبة بأنّها إنسانيّة، ووصفوا السلوك البغيض بأنه وحشيّ أو حيوانيّ !!
والمتأمل في ما يجري في هذا الكون والمتتبّع لما تسلكه الحيوانات والطيور يجد لديها من التصرّفات النبيلة ما يمكن وصفه بالإنسانيّ، ما دامت كلمة إنسانيّ تنصرف إلى الأفعال الدالّة على التعاطف والمحبّة والحزن والفرح وسواها؛ ولا أظنّ أنّ أحداً منّا لم يشاهد حيواناً أو طيراً يؤثر أبناءه أو فراخه على نفسه عند الطعام، أو يعرّض نفسه للخطر الداهم وهو يحاول الدفاع عن أبنائه، وبعض قصص الطير والحيوان قد تفطّر الأكباد حزناً، بل إنّ بعض الطيور والحيوان تظهر من وفائها وتعلّقها وحّبها لصاحبها من بني البشر ما يثير العجب، وربّما أضرب طيرٌ أو حيوانٌ عن الطعام حتّى الموت حزناً على طير أو حيوان آخر أو حزناً على شخص كان يرعاه. وأكثر ما تتجلّى عواطف الحيوان والطير في الأمومة من خلال ما تبديه هذه المخلوقات من رعايةٍ لأبنائها وإيثارٍ لها على نفسها ودفاع عنها. ومع ذلك كلّه فإننا نصرّ على أن نجعل المشاعر النبيلة وقفاً على بني البشر.
لكننا إذا تأمّلنا ما يفعله بنو البشر بعضهم ببعض، فإنه ينبغي لنا أن نتردد كثيراً في إطلاق صفة (الإنسانية) عليهم، إلاّ إذا كانت (الإنسانية) تعني غير ما توافق عليه الناس!! فهل من الإنسانية أن تسفك الدماء على هذا النحو المثير للفزع في عدّة أقطار على هذه الأرض بينما يقف العالم كلّه متفرّجاً دون أن تهتزّ شعرةٌ في أبدانهم؟! وهل من الإنسانيّة أن يدفن الأطفال الرضّع أحياءً بفعل القصف والتفجيرات والغازات السامّة في أكثر من قطر؟! وهل من الإنسانيّة أن نشاهد الجوعى والمرضى والمشرّدين على تراب أكثر من بلدٍ ولا نشعر بما يعانونه من آلام وأحزان لا نظير لها؟! وهل من الإنسانيّة أن تدّمر أقطارٌ بكاملها من أجل مصالح فردّية؟! وهل من الإنسانيّة أن تحرق المنازل والأكواخ على أصحابها وتحوّلهم إلى رماد وفحم دون ذنب ارتكبوه سوى أنّهم ينتمون لهذا العرق أو ذاك أو لهذه الطائفة أو تلك؟! وهل من الإنسانيّة محاصرة مدن أو بلدان وتجويع أهلها وحرمانهم من الطعام والشراب والمحروقات وحتّى الهواء؟!
إذا كنّا مصرّين على أن نطلق صفة (الإنسانيّة) على من يرتكبون مثل هذه الفظائع ومن يسكتون عنها، فليس من حقنا أن نطلق صفة (وحشيّة) أو (حيوانيّة) على أفعال هؤلاء لأنّ الوحوش والحيوانات أكثر رفقاً بأبناء جنسها، وأكثر إحساساً بالعطف والرحمة والمودّة والوفاء والإخلاص من بني البشر، وإذا كان ما يرتكبه بنو البشر من فظائع يعدّ (إنسانياً)، فإنّ ما تفعله الحيوانات والطيور يمكن أن يعدّ ملائكيّاً.

التعليقات

الدكتور حمزة ال... (.) الخميس, 04/24/2014 - 08:32

مداخلة جميلة من كاتب كبير ووصف تحليلي ولا أروع منه بوركت دكتورنا العزيز صلاح جرار

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)