طلبة نيوز-

    أصبحت كلمة الفساد من الكلمات الشائعة في مجتمعات العالم الثالث. وتعني للكثيرين معاني مختلفة وفقا للرؤى الشخصية، والموقف الإنساني. فهي قد تعني للإنسان العادي الرشوة، وأعمال غير أخلاقية تعكس حياته الشخصية التي تتنافى مع قيم المجتمع، إذ يرى المجتمع في سلوكيات الفاسد الخاصة انعكاس لعمله العام وحياته الاجتماعية. وهو أمر مألوف وتفسيره مقبول. فالإنسان نراه من خلال سلوكه العام في المجتمع، وما ينطبع علية من أحكام. فإذا ما وصفته زمرة من الثقاة ( وليس الفاسدين) بهذه الصفة، فلنا قبولها فيه.

    أمّا الفساد العام فهو الذي يطال عامة المجتمع، ويتأثر فيه النظام الاجتماعي ليصبح منحى اجتماعيا، ومرتكز حياة فئة من الناس لها باع طويل في إدارته وفي تفسيره، لا بل تجويده. وعندما يصبح الأمر كذلك فإن السمة العامة للمجتمع تتغير، وتنتفي فيه القدرة على التقدم، ويصبح هم العامة مفسدة، وتصبح مفاهيم إنسانية كالعدالة وتكافؤ الفرص والتنافس المبني على الجدارة والكفاءة مضيعة للجهد والوقت، لا بل قد تكون موضع استهزاء من المجتمع. مما ينتج عنه تراخي وفتور عام في اليقظة، والدافعية والإنتاجية البناءة، ليطال ذلك الشعور والوجدان والانتماء، والقدرة في الدفاع عن الوطن. وهنا يكمن الخطر، إذ يمكن القول بأن الفساد قد  أصبح دائريا: أي أن الفساد يدور مع الأشخاص أينما ذهبوا، وأينما حلّوا. وبالتالي أصبحوا يشكلون دوائر تلو الأخرى. وعندما تتعاضد هذه الدوائر تبدأ بالأخذ بمفهوم الطرد الأخلاقي، ولا تتقبل دخول من هو غير فاسد. وهذه الدوائر وفي دورانها تأخذ معها كل مفسدة، وتتشكل لها رؤوس عديدة، وكل رأس ينتج مجموعة من الرؤوس الصغيرة. والتي بدورها تنسج خيوطها في المجتمع لتعمل على تقبيح الجميل، وتجميل القبيح، ولا تتلاطم فيما بينها. إذ تتناغم ألوانها، وتتزاوج في مكنونها لتصبح ذات طابع مؤسسي،  وسمة رديئة من سمات البشر. وهكذا، تنبثق مفاهيم إدارية لمؤسسات المجتمع المدني تعتبر آكلة لتطوره وتقدمه، وهذا ما حذر منه ابن خلدون في مقدمته في التاريخ. فهل لنا في التاريخ عبرة؟؟!!