طلبة نيوز- الدكتور: محمد أحمد عبابنة

لقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم" (سورة المؤمنون، الآية 51)، وقال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم"،(سورة البقرة، الآية 172)، ولا شكَّ أن الأكل الطيب والرزق الطيب هو ما كان طيباً من حيث مكسبه وطريقة الحصول عليه، وهذا ما يوجب السؤال يوم القيامة بما ورد لنا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ"، (سنن الترمذي رقم 2417) حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ولأجل ذلك فإن الإشارة إلى هذا الموضوع تحديداً لكثرة ما نسمع من شكاوى الناس من قلة الرزق وضيق العيش، فهل لمصدر الكسب والدخل علاقة بذلك؟ بعبارة أخرى هل الكسب الحلال له ثمرات وآثار في الدنيا يمكن أن يلحظها المؤمن؟ إن المتفكر في النصوص الشرعية يجد أن هناك ثمرات للكسب الحلال يمكن أن نجملها فيما يلي:

1. الوقاية من النار يوم القيامة، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ"، (سنن الترمذي، حديث رقم614)، والسحت هو ما كان من الحرام.
2. العصمة من العقوبات بشتى أنواعها، وصرف البلاء في الدنيا، وقد بين القرآن الكريم أن آكل الربا يتعرض لحربٍ من الله ورسوله، "فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تُبتم فَلَكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون" ( سورة البقرة، الآية 279)، وهذه الحرب شاملة قد تكون آثارها ملموسة مشاهَدة، وقد تكون معنوية كالحرب على الطمأنينة والاستقرار والأمن، فلا يهنأ المرابي بعيش كريم ولا يذوق طعم السكينة والراحة.
3. استجابة الدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بعض أصحابه رضي الله عنهم بقوله كما قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: "يَا سَعْدُ أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ" (المعجم الأوسط للطبراني، حديث رقم 6495).

 ثم ذكر في الحديث الرجل الذي يطيل السفر ويكون أقرب إلى الله وأحرى أن تستجاب دعوته، لكنه يدعو الله ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنَّى يُستجاب له.

1. البركة في المال والأولاد والأعمال، فإن اللقمة الحلال تدفع عنك النقم وتصرف عنك البلاء في مالك وأولادك وأعمالك، فيصرف الله عنك البلايا والشرور، وقد كان أحد الصالحين يقول: "كنت أعرف معصيتي لله بخُلُق دابتي وزوجتي".

بعد كل ذلك نوقن تماماً أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "نَفَثَ رُوحُ الْقُدُسِ فِي رُوعي أَنَّ نفْسًا لَنْ تَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا، وَتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا، فَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمِ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُنَالُ مَا عِنْدَهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ" (المعجم الكبير للطبراني، حديث رقم 7694).