لا أرى قيمةً لأي اسم من الأسماء ما لم يقترن بالأفعال، فالاسم لا يختلف عن أي رقم يستخدم لتمييز الأشياء أو الأشخاص بعضها عن بعض، ويمكن لأيّ أب عندما يرزقه الله بمولود أن يطلق عليه رقماً بدلاً من اسم، فيسميه سبعة مثلاً بدلاً من سليم، ويسمي ابنته مائة بدلاً من إيمان، بل يمكن أن يطلق عليه صفةً بدلاً من الاسم أو الرقم، ما دام الهدف هو تمييزه عن سائر إخوته أو سائر الناس، وقد كان العرب سابقاً يسمّون أبناءهم وبناتهم حسب صفاتهم كالأعمش والأعشى والأخفش والخنساء، وغير ذلك. لذا فإنّ الأسماء لا قيمة لها ما دام يستطيع أيّ شيء غيرها أن يقوم مقامها.
لكنّ ما يمنح الأسماء أهميتها هو ما يقترن بها من أفعال، فالاسم يعلو ويشتهر بما يحقّقه حامله من إنجازات وأفعال متميّزة أو مشرّفة، فعمر بن الخطّاب مثلاً لم يشتهر اسمه إلا نتيجة ما اشتهر عنه من إقامة العدل ورعاية مصالح الأمّة، وخالد بن الوليد لم يشتهر اسمه إلاّ بسبب ما خاض من معارك وبطولات وما قام به من فتوحات، وصلاح الدين الأيوبي ما كان لاسمه أن يعرف ويشتهر لولا ما قام به من تحرير القدس الشريف من أيدي الصليبيين، إلى غير هؤلاء من الأسماء التي ما كان لها أن تشتهر لولا الأفعال المتميزة التي قاموا بها.
وفي دول العالم المتقدّم لا تعني الأسماء شيئاً ما لم يكن لها إنجازات، وعندما يحكمون على شخصٍ ما فإنّهم قلّما يلتفتون إلى اسمه بل ينظرون إلى فعله أوّلاً وأخيراً، إذ لا يعنيهم الاسم في شيء بين يدي المصلحة العامّة ومصلحة الوطن.
وأمّا في بلادنا العربيّة فالاسم يأتي أوّلاً يليه اسم الأب ثم اسم الجدّ الأول وصولاً إلى اسم العشيرة، حتّى تصبح الأسماء معايير للحكم على الناس ومعياراً للاختيار في محاصصة الوظائف والمواقع المتقدّمة، ولا يهمّنا إنجازاتهم أو ملفّاتهم أو تواريخهم أكانت حافلة بالإنجازات والأفعال خيرها وشرّها أم لا، حتى إنّ بعض الوظائف أنشئت لأسماء بعينها.
الذين يحتكمون إلى الأفعال موضوعيّون ونزيهون، والذين يحتكمون إلى الأسماء أهل محاباةٍ وفساد، متناسين أنّ الأسماء تكتسب أهميتها بعد سنوات طويلة وسيرة حافلة من الأفعال والإنجازات وليس قبل ذلك. ومتى أصررنا على أن نبدأ بالأسماء فإننا بذلك نصرّ على أن نجعل مؤسّساتنا ووطننا كلّه حقل تجارب لمن لا أفعال لهم ولا خبرة عندهم.
إنّنا ماضون في فعل ذلك كّله متجاهلين مصالح المجتمع والأمّة، مع أنّنا ندرك جميعاً أن الجملة في النحو العربيّ متى كان فيها فعلٌ واسم فإنّها تحتفي بالأفعال وتقدمها على الأسماء، لأن الاسم يصبح بلا معنى ما لم يقترن بفعل.