طلبة نيوز- د. صلاح جرّار
أعجبني تقريرٌ لأحد المحكّمين الدوليّين الذين أُرسل إليهم الإنتاج العلمي لأحد أعضاء الهيئات التدريسية العاملين في جامعاتنا الأردنية، من أجل تقييم ذلك الإنتاج لغايات الترقية إلى رتبة أكاديميّة أعلى، حين قال ذلك المحكّم إنّه لم يجد صدىً لأعمال هذا الباحث في دراسات من جاء بعده من الباحثين!!
فقد لخّص هذا المحكّم فكرةً على جانب كبير من الأهميّة، وهي أنّ عضو هيئة التدريس الذي يريد الترقية من رتبة أكاديمية إلى رتبة أعلى لا يكفي أن تكون له أبحاث منشورة وملتزمة بقواعد البحث والنشر العلمي، بل لا بدّ إلى جانب ذلك من أن تكون أبحاثه ذات أثر وفاعلية سواء من حيث إمكانية تطبيقها أو الاستفادة منها فعليّاً أو من حيث اهتمام الدارسين والباحثين الجدد بها والاعتماد عليها في أبحاثهم ودراساتهم.
ولا يمكن لبحث أن يمتلك هذه الشروط ما لم يأتِ بجديد في مجاله، وما لم يتميّز عن غيره سواءً في منهجه أو في نتائجه، فهذا النوع من الأبحاث هو الذي ينفع الناس وينفع الباحثين من بعده، ويجعل لصاحبه شهرة علميّة تؤهّله لأن يحمل لقباً علميّاً مناسباً، وهذا النوع من الأبحاث هو الذي يحيل إليه الدارسون الذين يأتون من بعده ويشيرون إليه بالبنان.
ومتى خلت الأبحاث التي ينشرها عضو هيئة التدريس من الجدّة والتميّز والخصوصيّة العلمية في مجال التخصّص فإنها تغدو اجتراراً لما سبق ومضيعة للوقت والجهد والتكاليف.
إنّ حمل اللقب العلمي ولاسيّما لقب الأستاذيّة ينبغي أن يقترن بتميّز حقيقي ونوعيّ لا كميّ فقط، وما كثرة الإحالة إلى مؤلّفاته وبحوثه المنشورة من قبل الدارسين اللاحقين إلا مؤشر واحد من مؤشّرات التميّز واستحقاق اللقب.
ومن هذا المنطلق فإنني أدعو جامعاتنا الأردنية وإداراتها إلى إعادة النظر في معايير الترقيات الأكاديمية والارتقاء بهذه المعايير وعدم الاكتفاء بالمعايير القائمة التي ثبت عدم قدرتها على تمييز الغثّ من السمين. كما أدعو الجامعات والإدارات الأكاديمية إلى عدم النظر إلى الترقية بوصفها أمراً تلقائياً وحتمياً بمرور السنوات وتراكم الأبحاث، فلو كان كلّ من حمل رتبة أكاديمية في جامعاتنا العربيّة قد جاء في أبحاثه بجديد يميّزها لكنّا أكثر الأمم تحضّراً وتقدّماً!!
ولعلّ من العلامات المهمّة لمن يستحقّ حمل لقب علميّ مميّز تلك الحماسة للبحث ومتابعة إجراء الدراسات والبحوث في مجال التخصّص بعد الحصول على أعلى رتبة أكاديميّة، فهذه المتابعة تدلّ على أن حامل اللقب لم يكن دافعه للبحث الحصول على اللقب، بل الانحياز للعلم والحرص عليه.