TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أغداً ألقاك؟
14/04/2014 - 1:00am

طلبة نيوز-احمد حسن الزعبي
أدهشني اللحن وأسرني الكلام تماماَ، عندما سمعت الأغنية للمرة الأولى في بداية الثمانينات .
وقت الغروب كان ينسكب اللحن من كافتيريا الشاب المصري «يوسف» وهو يشطف المحل ، ويحضر عجنة الفلافل المسائية..للأمانة كان «ألولد» ذواقاً بكل شيء إلا في صناعة الفلافل..وقد كتبت عنه أكثر من مرة في مقالات سابقة ،فقد كان يختار أغانيه بعناية فائقة لتنسجم مع الموسم والتوقيت والمكان والجو العام..ليته كان مدير إذاعة في ذلك الوقت..
المهم رائحة الزيت العتيق في «التنك» والفول المسلوق والفليفلة الحلوة المسجّاة في النصف الداخلي من المخزن كانت ترميك بين نفور وانجذاب الى المكان في آن معاً .. المسجل ذو السماعة الواحدة مسنود على الواجهة الزجاجية قرب الخبز المشروح المقطّع على شكل مثلثات / وبجانب المسجل علب بلاستيكية نادراً ما يطلبها أهل الحي وأشرطة كثيرة لعبد الحليم وام كلثوم وفريد الأطرش وميادة ونجاة الصغيرة ووردة .من الكافتيريا لا من «هنا القاهرة» سمعت لكل هؤلاء العمالقة وصرت أميّز بين اصواتهم وطريقة غنائهم .. كان يوسف مسالماً ، وحيداً،وربما عاشقاً وذلك لاعتنائه الشديد بالطرب كامل الدسم، وباقتطاع جزء من الربح اليومي لصالح شراء الأشرطة..
المهم عشقت الأغنية ، وبقيت أدندن بأول كلمتين منها «أغدا ألقاك» فقط..فلم أحفظ مقطعاً ثانياً لأن الوقت المتاح لشراء الفلافل ينتهي عند ذلك الحد بعد سماع مقدمة موسيقية طويلة..
بعد سنوات غادر يوسف الحي ..ولم تغادر الأغنية أذني..وبقي هاجس اقتناء «الكاسيت» معي طوال الوقت لكن خوفاً من أن اتّهم بالمجون من قبل التيار اليميني في البيت اكتفيت بسماعها على الريحة هنا وهناك، إلى أن صادفت ذات يوم أحد الباعة يضع بسطة أشرطة مستعملة قرب الجامع العمري، وقفت أمام البسطة بخجل..فبادرني صاحب البسطة «الأربعة بليرة يابا» فطلبت منه شريط أغداً ألقاك..نبّش عليه ووجده بعد بحث مضني ، صحيح ان الشريط كان يقطر «دبقاً» من الميرندا التي بيد البائع، لكني فرحت به بحجم الدنيا، ثم اخترت شريطاً ثانياً لفريد الأطرش وثالثاً للشيخ كشك «لزوم التمويه» ورابعا البائع نفسه لم يعرف محتواه... فلا يوجد أي إشارة او غلاف عليه ، لأكتشف لاحقاً ان الوجه الأول من الشريط الرابع «أغاني عرس» وكل الوصلات المسجلة عليه لعريسين شقيقين عدّي ونايف..مين عدي ونايف لا أدري؟؟ وعلى الوجه الثاني كانت أغنية لسميرة سعيد بعنوان «بنلف ..انلف ..انلف..والسنين بتلفّ» مكررة ست مرات..
المهم ما ان وضعت شريط أم كلثوم أغداً ألقاك؟ في الباناسونيك القديم ..وما انتهت الموسيقى..وقالت الستّ: «أغدا ألقاك..» حتى غلظ صوتها واخشوشنت طبقاتها..وصار يموج الصوت ارتفاعاً وانخفاضاَ..فتعكر المزاج تماماً، أخرجت الشريط من مكانه وضربته بركبتي ، ووضعته ثانية..الصوت غليظ وبشع ..ليس نفس الأغنية التي سحرتني عندما سمعتها من كافتيريا «يوسف المصري»...ضربت المسجل على ظهره وأدخلت الشريط للمرة الثالثة ..ويبدو ان المسجل انتقم مني تماماً عندما «علك الشريط» عند جملة «يا لشوقي واحتراقي بانتظار الموعد»..خلّصت شريط البسطة من مسننات المسجل ، وقررت ان اشتري شريطاً جديداً من محل تسجيلات محترم حتى لو كلفني ذلك ديناراً كاملاً ...في اليوم التالي اشتريت شريطاً جديداً ، وعليه صورة ام كلثوم ومكتوب بخط الثلث كوكب الشرق «أغدا ألقاك».. أغلقت علي غرفتي ووضعت الشريط في المسجل..هناك هبوط وصعود في الموسيقى لكنه مقبول نوعاً ما...وما ان وصلت الست ام كلثوم عند شطر: «هكذا نحتمل العمر نعيماً» حتى سكت...نظرت إلى غطاء الشريط من الداخل فوجدت المسجل قد ابتلع البكرتين البنيّتين و»شلبك» خيطان التسجيل الناعم كلها ببعضها...أخذت الشريط «المبروط» كما هو الى صاحب التسجيلات ..فبرر ان «الراس خربان» في المسجل وهو سبب علك الشريط..قلت له : عجب شريط الشيخ كشك ما بيعلكه؟.فلم يجد الرجل جواباً واستمر في تسجيل أغنية «كتاب حياتي يا عين» لشقيق وافد..فعدت الى البيت وأرجعت الشريط بواسطة قلم «بيك» الى البكرة اليمنى على أمل أن أسمع الأغنية كاملة دون منغصات في يوم من الأيام ...
***
قصتنا ممتدة ومنسوخة من العشق الى السياسة...فكلما وضعنا شريط : «أغداً نلقاك» في مسجل «التطبيق الحقيقي»..نتفاجأ أنه تالف !!...

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)