TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
أقطاب الإقليم: صلابة في الخارج وهشاشة في الداخل!
10/02/2023 - 7:15am

د. أحمد بطَّاح

أمّا الأقطاب فالمقصود بهم تركيا، وإيران، وإسرائيل، وأمّا الإقليم فهو إقليم "الشرق الأوسط" حيث يلعب هؤلاء الأقطاب أدواراً رئيسية لا يستطيع أيّ متابع أن ينكرها فتركيا مثلاً لها تواجد عسكري الآن في إحدى عشرة دولة (11)، وعلى الصعيد العربي بالذات فهي تحتل جزءاً غير صغير من الأراضي السورية، ولها تواجد في شمال العراق، فضلاً عن تواجدها المهم في ليبيا والذي حال في الواقع دون سيطرة القائد العسكري من شرق ليبيا (خليفة حفتر) على العاصمة الليبية طرابلس، وحتى على الصعيد العالمي فهي تلعب دوراً مهماً يتضح من خلال الحد من الهجرة إلى الدول الغربية، وأدوارها في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا، وبين روسيا وأوكرانيا (نجحت في عقد اتفاقية تصدير الحبوب من أوكرانيا وهذه الاتفاقية ذات أهمية عالمية)، وهي وحدها الآن التي تستطيع أن تسمح بدخول فنلندا والسويد إلى حلف "الناتو"، أو تحول دون ذلك.
ولكن مع كل هذه الصلابة الخارجية التي دفع البعض إلى تسميتها "بالعثمانية الجديدة"، فإنّ تركيا تُعاني من هشاشة داخلية تتجلى مظاهرها في الانقسام المجتمعي حيث تدل الانتخابات المتعددة فيها على أنّ المجتمع التركي منقسم مناصفة تقريباً بين أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة "أردوغان"، وأنصار التيار العلماني المُمثل أساساً في حزب الشعب الجمهوري، وهناك المشكلة المُزمنة المتعلقة بالأكراد الذين يزيد عددهم عن عشرين (20) مليوناً يشعرون بالتهميش، ويتطلعون إلى الفرصة التي تمكنهم من الاستقلال عن الدولة التركية، ولعلّ المثال الأبرز على الهشاشة الداخلية في تركيا هو الوضع الاقتصادي فبرغم النجاحات الكبيرة التي حققتها تركيا منذ عام 2002 وصلت نسبة التضخم أرقاماً غير مسبوقة، وبدأ المواطن التركي يئّن تحت وطأة الظروف الاقتصادية التي قد تؤدي كما يرى كثير من المراقبين إلى خسارة "أردوغان" للانتخابات لأول مرة منذ عشرين عاماً.
وإذا انتقلنا إلى إيران فإننا نلاحظ أنها تمارس من خلال أذرعها الطائفية نفوذاً كبيراً في الإقليم وبالذات في العراق وسوريا، ولبنان، واليمن (تدّعي أنها تسيطر على أربع عواصم عربية)، كما أنها تقف الآن على "العتبة النووية"، حيث يشير الخبراء إلى أنها ستتمكن قريباً من صناعة القنبلة النووية (تقنياً)، الأمر الذي يجعل الدول الغربية (خمسة + واحد) تفاوضها في فيينا، وتجعل إسرائيل متحفّزة لضربها، وتدفع بعض الدول العربية الخليجية كي تتحالف حتى مع العدو التاريخي (إسرائيل) لدرء خطرها العسكري المتصاعد.
ولكن لابدّ أن نلاحظ في نفس الوقت بالنسبة لإيران أنها تشهد اضطرابات عامة منذ عدة أشهر على أثر وفاة الفتاة الإيرانية الكردية (مهسا أميني)، كما يُلاحظ أنها وبرغم اعتمادها انتخابات شعبية لمجالسها المتعددة (وبالذات رئاسة الدولة ومجلس الشورى)، إلا أنّ المرشد الأعلى فيها (علي خامنئي حالياً) له القول الفصل في كل شيء، الأمر الذي يشير إلى طبيعة الحكم غير الديموقراطي فيها، وبالإضافة إلى ذلك فهي تواجه أوضاعاً اقتصادية صعبة (خسر الريال الإيراني نصف قيمته تقريباً) وتجعل المواطن الإيراني يتململ بين حين وآخر حيث إنه لا يفتقد كثيراً من حرياته العامة فقط بل يفتقد أيضاً فرصته في حياة رَغِدة كريمة.
أمّا إسرائيل فإنّ من الواضح أنها قوة عسكرية كبيرة في المنطقة (يصر الغرب على جعلها أقوى عسكرياً من جميع جيرانها مجتمعين)، ومن الواضح أن نفوذها يتمدد ليصل إلى العديد من الدول العربية الخليجية والإفريقية، كما أن علاقاتها تصبح أكثر متانةً من دول هامة مثل الصين والهند وروسيا، فضلاً عن علاقتها التحالفية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وبدرجة أقل مع دول الاتحاد الأوروبي (27 دولة).
ولكن برغم كل ما سبق فإن إسرائيل تعاني من هشاشة داخلية لا يمكن تجاهلها فقد اضطرت إلى الذهاب إلى الانتخابات خمس مرات خلال السنوات الأربع الأخيرة، كما أنها تعاني من انقسام مجتمعي حول ما يُسمى "بالإصلاحات القضائية" التي تريد حكومتها الحالية تمريرها وإلى درجة أن مائة ألف (100.000) متظاهر نزلوا إلى شوارع مدنها الرئيسية ضد هذه الإصلاحات المقترحة.
وتظل مشكلة إسرائيل المزمنة هي القضية الفلسطينية، فهي من جهة تدعي أنّ فلسطين هي أرضها التوراتية الموعودة، ولكنها من الجهة الأخرى تواجه شعباً فلسطينياً (يتساوى تعداده الآن مع تعداد الإسرائيليين في فلسطين التاريخية) عنيداً ومقاوماً ومتمسكاً بحقوقه رغم تعسف الاحتلال وشراسته.
إنّ الدول لا تكتسب قوتها من قوة جيوشها، وتعقد أسلحتها فقط، ولكن من لحمتها الاجتماعية، وتماسكها الداخلي، وعدالة قوانينها وأنظمتها، وإذا تأملنا جيداً في هذه الدول الثلاث النافذة في الإقليم فإننا نلاحظ بكل وضوح أنها صلبة وقوية من الخارج، ولكنها تعاني من هشاشة داخلية لا يمكن إغفالها.
إنّ واقع هذه الدول الإقليمية الكبيرة يلقي عبئاً خاصاً على الدول العربية التي تعاني من تجاوزات هذه الدول بصورة أو بأخرى، ولا تستطيع أن تقدم قوة عربية (من دولة أو أكثر) بحيث تلعب دوراً مكافئاً يحافظ على الحقوق العربية، ويحميها من تجاوز القوى الإقليمية الأخرى عليها.
لنتفاءَل، وننتظر، ونرى!.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)