طلبة نيوز- محمد ابو رمان
هل يمكن أن نربط بين ثلاثة موضوعات في "الغد" أمس، كي نقترب، بصورة موضوعية ودقيقة، من أحد أهم الملفات الوطنية اليوم؟!
الموضوع الأول، هو الخبر الرئيس الجريء في الصفحة الأولى (مانشيت الصحيفة)، بعنوان: "فاعليات شعبية وخبراء: أزمة معان تنموية وليست أمنية".
والثاني، هو خبر عن تقرير حركة "ذبحتونا" بشأن حالة الجامعات الأردنية في العام 2013، والعنوان الرئيس فيه: "ذبحتونا: 2013 عام العنف الجامعي والأكثر دموية بزيادة المشاجرات 200 %". ومن العناوين الفرعية في التقرير: "الجامعات انتقلت من مستقبِلٍ للعنف المجتمعي إلى مُصدِّر له"؛ "90 % من المشاجرات صاحبَها تدمير مرافق جامعية، ما يؤشر على عدم وجود شعور بالانتماء للجامعات". وفي ثنايا التقرير إشارة إلى أنّ المشاجرات الجامعية تركّزت في الكليات الإنسانية، لا العلمية. وهي الكليات التي من المفترض أنّها تتولّى تطوير ثقافة الأجيال الجديدة، وتخرّج دارسين للفلسفة والمعرفة والثقافة الحديثة!
أما الموضوع الثالث، فهو مقال الزميل الدكتور باسم الطويسي، بعنوان "ماذا يجري في المحافظات؟"، والذي يتضمن، عملياً، تلخيصاً لجوهر المشكلة والاختلالات التي تؤدّي إلى مظاهر العنف الجامعي والمجتمعي، والتنمّر على القانون، وأزمات الطفيلة ومعان والسلط وغيرها. فمهما تباينت معطيات تلك الأزمات والمشكلات التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى، هنا وهناك، فإن هناك "جرثومة" واحدة تتسبب في ذلك، يمكن اختصارها بجملة مفتاحية: "فجوة التنمية والعدالة المتلبّسة بالإدارة السياسية الكارثية، التي تقوم على المحاباة والاسترضاء والارتجالية والتسطيح".
يتساءل الطويسي؛ الباحث المتميز وابن الجنوب، عن السرّ في فشل الدولة في المحافظات، برغم أنّ عبارة "تنمية المحافظات" أصبحت بمثابة اللازمة للخطاب الحكومي والرسمي، منذ سنوات؟ ويجيب على ذلك محدّداً المعالم العامة للسياسات الحكومية الكارثية، ليطرح 5 أسباب مهمة ورئيسة في تفسير هذا الفشل الرسمي، جديرة بالتحليل والنقاش من قبل المسؤولين، لإعادة التفكير في علاقة الدولة بأبناء المحافظات، ليس فقط في الجنوب، بل وفي الشمال والوسط والأطراف أيضاً.
ظروف الفقر والجوع والبطالة ليست "حكراً" على المحافظات؛ فهي بالدرجة نفسها في عمان والزرقاء وإربد أيضاً. وفي هذه المدن أحياء فقيرة وحرمان اجتماعي يوازي المحافظات. لكن خطورة أزمة المحافظات تتمثّل في أنّها مركّبة ما بين الأبعاد التنموية- الاقتصادية والاجتماعية السياسية، والتعليمية من جهة، وانعدام فرص العمل وغياب القطاع الخاص والمشروعات الاستثمارية بصورة كبيرة، من جهة ثانية، وينجم عنها اختلال في التوازنات الاجتماعية السياسية في البلاد من جهة ثالثة!
إذا تأمّلنا المشهد الأردني ومساحة الاحتجاج والعنف والأزمات، الجغرافية والاجتماعية، خلال العقدين الأخيرين، وتحديداً الثاني منهما، فلن نعجز أنّ نلاحظ بوضوح أنّ المشكلة متمركزة في المحافظات المختلفة التي انسحبت الدولة منها، متخليّةً عن دورها الاجتماعي والاقتصادي، بينما بقيت في الجانب الأمني، مكتفية بمنطق الاسترضاء لفئات معينة، والعشوائية، والسطحية، والارتجالية!
بالنتيجة، وصلنا عبر هذا التخبط السياسي والإداري، إلى أزمة متجذّرة بين الدولة وأبناء المحافظات، وإلى ولادة ونمو شعور لدى سكّانها، الذين شكّلوا العمود الفقري للقطاع العام خلال العقود السابقة، بأنّ الدولة "تخلّت عنهم"، من دون أن تقدّم برنامجاً بديلاً موازياً اقتصادياً-اجتماعياً. أمّا سياسياً، فحدّث ولا حرج عن حجم التخبط والارتباك الرسميين!
زبدة القول؛ إنّ الدولة تواجه اليوم أزمة متدحرجة مع المحافظات، مرشّحة لأن تصبح مستقبلاً التحدّي الأكبر للدولة. والحل يكمن في بناء تصور وطني استراتيجي متكامل، وإعادة بناء رسالة الدولة، سياسياً وإعلامياً. وإلاّ، فإنّ ما نقرأه من أخبار مقلقة اليوم، سيكون غداً مجّرد نُكت قصيرة!
اضف تعليقك