TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
إيران التمدد السياسي أم الهيمنة المذهبية ؟
13/05/2015 - 4:00am

طلبة نيوز
د. معن علي مقابله

إيران الهيمنة السياسية أم التمدد المذهبي
جاءت الثورة الإيرانية بقيادة أية الله الخميني لتخلط الأوراق في منطقة الشرق الأوسط ، رافعة شعارات إسلامية تصدرها شعار تصدير الثورة في منطقة كانت مهيأة لفكرة المخلص لتحريرها من الهيمنة الغربية ، والفكر القومي العلماني الذي فشل في التصدي لهذه الهيمنة.
ولاقت ثورة الخميني تأييدا شعبيا عارما في العواصم العربية والإسلامية ، وتوجسا من أنظمتها الحاكمة ، ولأسباب داخلية تتعلق ببنية الثورة ، وبالنخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية في إيران والتي تشكلت على مدى عقود من حكم شاه إيران ، والهروب من الاستحقاقات الداخلية ، إلى جانب شعار تصدير الثورة ، دخلت في حرب مع جارتها العراق ، والذي كان هو الأخر يتوجس من الفكر التوسعي للثورة الإيرانية القائمة على أسس دينية ، على اعتبار أن الشعب العراقي نصفه من الشيعة ، وهذا ما كان يراهن عليه الخميني ، لتمتد الحرب ثماني سنوات ، وتضع أوزارها بلا منتصر ، ولتخرج الدولتين بخسائر هائلة بالأرواح والبنى التحتية ، واقتصاد منهك ، وان كان العراق قد استغل كرم الغرب في إمداده بالسلاح أثناء الحرب ليبني ترسانة عسكرية هائلة ، وتعدى ذلك في بناء بنية تحتية للتصنيع العسكري وتطوير برنامجه النووي ، بحيث أصبحت تشكل خطرا على النفوذ الغربي في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل ، فبدأ الضغط على النظام العراقي ومحاصرته سياسيا واقتصاديا ، إلى أن ارتكب خطأه الاستراتيجي باحتلاله الكويت ليبدأ مسلسل إضعاف العراق وبالنهاية احتلاله .
وبخروج العراق من المعادلة السياسية في المنطقة أعطى الفرصة التاريخية لإيران لتصبح الدولة الأقوى فيها فمنذ سقوط العراق من قبل الأمريكيين وبمساعدة أو لنقل بمباركة إيرانية ، وبتأمر رسمي عربي ، وبالتحديد خليجي ، بدأت بإتباع إستراتيجية مختلفة ، مع احتفاظها بشعار تصدير الثورة , ولكن من خلال تبني قوى المقاومة في المنطقة وذلك لتعزيز نفوذها السياسي فيها تمهيدا للهيمنة عليها ، والمتتبع للسياسة الإيرانية يجد تناقضا واضحا في الشعار الذي ترفعه وهو دعم حركات المقاومة في المنطقة , ففي الوقت الذي تدعم فيه حزب الله في لبنان وحركة المقاومة الإسلامية حماس في غزة في مقاومة إسرائيل نجدها تتحالف مع المحتل الأمريكي في العراق وأفغانستان وتوعز لحلفائها من الشيعة بعدم مقاومته كما في العراق ، كما لا تتردد في التدخل السافر في سوريا لدعم حليفها بشار الأسد بكل الوسائل لإبقائه في السلطة ، والإيعاز لحزب الله بمساندته ضد الثوار ، ليأتي التدخل الأخير في اليمن لصاح الحوثيين الشيعة ودعمهم سياسيا وعسكريا ، على حساب العملية السياسية التي كان من نتائجها تنحية علي عبد الله صالح تحت ضغط الثورة الشعبية ، لتبدأ مرحلة سياسية جديدة في اليمن ، توقفت بسيطرة الحوثيين على صنعاء وتعطيل المسيرة السياسية التي كان من نتائجها انتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي بتوافق ومباركة جميع الفرقاء السياسيين في اليمن بما فيهم الحوثيين .
ولكن السؤال هنا ، هل إيران توظف المذهب الشيعي من خلال الشيعة في العالم العربي لتحقيق مكاسب سياسية ، أم العكس توظف سياستها في خدمة المذهب الشيعي ونشره في العالم العربي؟ إن الإجابة على هذا السؤال تعود بنا قليلا إلى التاريخ أولا ، وطبيعة المصالح التي تحكم الدول ثانيا. 
في تاريخ العرب مع إيران الفارسية قصة تطول ، إلا أنها ترتكز في اعتقادي على شعور الفرس بالغبن من العرب الذين استطاعوا إسقاط الإمبراطورية الفارسية التي سادت العالم القديم في مرحلة من مراحله ، وبطون الكتب تتحدث عن هذه الحضارة وما قدمته من انجازات على الصُعد الحضارية والاقتصادية والسياسية ، فأن تسقط هذه الحضارة وكأنها لم تكن على يد العرب البدو الذين خرجوا من جزيرة العرب وليس لهم ارث حضاري أو سياسي كما كان للفرس جعلهم ينظروا للعرب نظرة دونية وقد تتعداها لدى البعض إلى الحقد على هذه الإمبراطورية الناشئة , وهذا ما عرف في تاريخنا الإسلامي بالشعوبية والتي قادها بعض مفكري الفرس وعلمائهم ، فكان انتماؤهم لإرثهم الحضاري وشعورهم بالاستعلاء محركهم في التعامل مع الدولة الناشئة ، وعدم استيعابهم للنظام السياسي الذي جاء به الإسلام من خلال ما عرف بالشورى ، وإبعاده للتوريث أو تقديس الحاكم كما في النظام السياسي في الإمبراطورية الفارسية ، الذي جعل من الأسرة الحاكمة أسرة مقدسة ، ولا يجوز الخروج عليها ، أو انتقال السلطة منها ، فوجدوا بصيغة توريث السلطة بأسرة النبي – علية الصلاة والسلام – من ابنته فاطمة – رضي الله عنها – وابن عمه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – عودة لأرثهم السياسي ، ولكن بصيغة دينية ، مرجعهم فيها أن أمر خلافة النبي –عليه الصلاة والسلام – ليس أمرا دنيويا يترك للمسلمين بل أمرا قرره الله – عز وجل – وبما أن الرسول–عليه الصلاة والسلام – لم يعش له أبناء من الذكور فكان علي بن أبي طالب ابن عم الرسول –عليه الصلاة والسلام – وزوج ابنته فاطمة وأبنائهم من بعدهم الأحق بخلافة الرسول–عليه الصلاة والسلام – بمفهوم التوريث الذي يأخذ طابع التقديس، ودعموا نظريتهم بأحاديث وإشارات نسبوها للرسول –عليه الصلاة والسلام – توصي لعلي بالخلافة من بعده ، وهذا هو أصل الصراع ومنشئه .فالمتتبع لتاريخ الفرس الشيعة مع الخلافة الإسلامية يجد أن صراعهم مع الخلافة كان صراعا على السلطة وان غُلف بغلاف ديني مذهبي ، والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال ، فعندما استولى البويهيون الشيعة على بغداد في عصر الخليفة العباسي المستكفي بالله سنة 944م أراد قائدهم احمد بن بويه أن يُسقط الخلافة العباسية السنية وينصب خليفة من العلويين ، وكان قادرا على ذلك ، إلا أن احد مستشاريه نصحه بأن لا يفعل وأخذ بالنصيحة ، وكان ذلك لاعتبارات سياسية ، وليس لها أي علاقة بالمذهب .وحكم البويهيون العراق تحت ظل الخلافة العباسية أكثر من مئة عام. وتتكرر الحادثة مرة أخرى سنة 1058م عندما استولى احد القادة الشيعة وهو البساسيري على بغداد وطَرد الخليفة منها واخذ يدعوا للخليفة الفاطمي الشيعي على منابرها مدة عام كامل ، إلا أن الفاطميين لم يقدموا إليه أي مساعدة تذكر لتعزيز سيطرته على العراق فسقطت العراق تحت الحكم السلجوقي السني وأعادوا الخليفة لبغداد. 
تدل الحادثتين السابقتين أن الشيعة كان صراعهم مع الخلافة في جوهره صراعا على السلطة أكثر منه صراعا مذهبيا ، وإلا ما هو التفسير لعدم إسقاط البويهيون الشيعة للخليفة العباسي السني وتنصيب خليفة علوي شيعي إن لم يكن لاعتبارات سياسية .
وهذا ما يحرك السياسة الإيرانية الحالية ، وما استخدامها للشيعة العرب سواء في لبنان أو العراق أو البحرين أو سوريا أو اليمن إلا في هذا الإطار ، فما هم إلا أوراق وأدوات تتلاعب بهم لتحقيق مشروعها الفارسي لفرض هيمنتها على المنطقة ، أو لتفاوض بهم الغرب من أجل الحصول على مكتسبات سياسية لخدمة مشروعها. ولن يقف أمام هذا المشروع ، إلا مشروعا عربيا بديلا أو موازيا له ، يحمل آمال الأمة وتطلعاتها في بناء نهضة عربية ترتكز فيه على دولة مدنية يتساوى فيها جميع المواطنين ، بصرف النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية والاثنية ، وتعلو فيها قيم العدالة والمساواة , بغير ذلك سنبقى مجرد أدوات وأوراق تتلاعب بها دول الإقليم الكبرى كإيران وتركيا ، لتحقيق مكاسب سياسية على الساحة الدولية.
أخيراً ، إن اختزال الصراع من وجهة نظر النخب الحاكمة في العالم العربي ، ومن لف لفهم من النخب الدينية والثقافية بالمفهوم الطائفي والعرقي ، ما هو إلا قصور هذه النخب أو تآمرها على مشروع الأمة النهضوي ، فالصراع منذ أن وجد الإنسان على الأرض تحكمه المصالح والقضايا الكبرى. 
د. معن علي مقابلة
Maen1964@hotmail.c

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)