طلبة نيوز-د سهيل احمد السهيلي
كثيراً ما نسمع عن موضوع الارهاب الفكري هذا الموضوع القديم الحديث فمنذ ان خلق الله الانسان على هذه الارض ورزق الله ادم عليه السلام بالذرية نشأ الخلاف فها هو احد ابناء ادم يقتل اخاه لأنه لم يستطيع ان يحاوره بالطريقة الأمثل ولضعف حجته. ثم تبع ذلك على مر العصور أمثلة لا حصر لها من الأرهاب الفكري فقد كان الطغاة من الملوك يلجأون له في كل مرة يرسل الله لهم بها بالرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام منذ نوح عليه السلام وحتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
لقد وصفت قريش النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بالصادق الأمين بل أنهم كانوا ياخذون برأية لما عرف عنه من رجاحة الرأي وليس اصدق مثالا على هذا من حادثة الاختلاف التي حدثت عند اعادة بناء الكعبة ومن سيقوم بوضع الحجر الاسود في مكانه. الا ان هذه الصفات تغيرت بين عشية وضحاها لا لشيء الا لأنه صلى الله عليه وسلم جاء بهذا الدين الذين يخالف افكارهم ومعتقداتهم رغم ان دين الحق. فقد وصفوه بالكاهن والشاعر والمجنون كما ذكر الله في كتابه الكريم. بل تجاوز الأمر اكثر من ذلك بأن اعتدوا عليه وعلى اصحابه وعلى اهليهم وأموالهم. ورغم ذلك فقد امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بان يجادلهم بالحسنى بقوله تعالى ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ). كما امر الله موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام بذلك حين ارسلهما الى فرعون وقومه رغم أن فرعون ادعى أنه ربهم حيث قال سبحانه وتعالى في محكم تنزيله (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).
وكثيرا ما نردد مقوله اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية رغم ان التطبيق العملي مخالف فاختلاف الرأي يفسد للود قضايا. بل ان الكثير الكثير ممن يردد هذه المقولة -الا من رحم ربي – لسان حاله يقول ان لم تكن معي فأنت ضدي. فعند وجود خلاف بسيط في وجهة النظرحول موضوع معين يصبح عدوا لدوداً بعدما كان صديقا حميماً. حيث يتحول الأمر من اختلاف رأي الى اقرب ما يكون بالعداوة والتجريح وكيل التهم جزافا. بل أن البعض قد يتعدى هذا الامر الى الاعتداء البدني وكثير ما شاهدنا هذا خلال بعض البرامج الحوارية عبر المحطات التلفزية.
ومن المؤسف اننا لا نستطيع في احيان كثيرة ان نتجاوز هذا الأمر رغم ان النبي صلى الله عليه وسلم علمنا ذلك من خلال سيرته عليه افضل الصلاة والسلام. حيث انه صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى الا انه كان يحاور اصحابه ويشاورهم في كثير من امورهم. وهناك امثلة كثيرة لا مجال لحصرها نذكر منها حفر الخندق وغزوة بدر الكبرى وصلح الحديبية واخذه صلى الله عليه وسلم باراء الصحابة رضي الله عنهم جميعا.
ورغم اختلاف الافكار الا انها غالبا ما تكون مفيدة اذا تم مناقشتها ضمن نطاق الحوار الهادف البناء. هذا الحوار الذي يكون أساسه البراهين والأدلة لا التجريح والتشهير، الحوار الذي يكون مبتغاه اثراء الجوانب الحوارية لا اشعال الحرب الكلاميه. حيث يسهم هذا الحوار في نهاية المطاف الى التوافق على الرأي الاسلم لا الرأي الاقوى، لانه عندما يكون القرار سليما يكون ما ينتج عنها سليما.
وقد أرسى الشافعي رحمه الله بمقولته الشهير (رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب( قواعد الحوار عند الاختلاف في الرأي. الا ان الكثير الكثير عند مناقشة فكرة ما من يكون لديه قناعة تامة برأية حتى قبل سماع رأي الطرف الاخر حتى لو كان صحيحا. بل أن البعض قد يتعنت لرأية في بعض الأمور الدينية التى وردت فيها نصوص في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
إن الأصل في الحوار حول فكرة بعينها أن نناقش هذه الفكرة مع وجود قابلية مطلقةلتقبل الرأي الأخر ان كان هو الرأي الأسلم. ان نقدم البراهين والأدلة الداعمة لما نطرحة لا ان نقدم الصراخ والصوت والمرتفع.ان نتقبل افكار الاخرين إن كانت مناسبة كما نريد منهم أن يتقبلوا افكارنا.
وتتجلى صور الارهاب الفكري في الكثير من نواحي الحياة فالبعض يمارسه على زوجته واولاده في البيت. وهناك من يمارسه على طلبته فلا يجعل لهم مجال لحواره اومناقشته حول موضوع معين. وبعض المدراء يمارسه على العاملين في مكان عملهم. مما جعل الكثير ممن لديهم الكثير من الأراء السديدة والافكار النيرة يمتنعون عن الأدلاء بها لعلمهم انه لن يتم الأخذ بها او لخشيتهم من ممارسة مسؤليهم المباشرين السلبية تجاه هذه الافكار.
واخيراوليس اخرا فإن سيطرة الفكر الأوحد التى مارسها الكثير من الطغاة لم تجلب لهم ولا لبدانهم في نهاية الأمر الا الدمار وخراب الديار. وهذا ما نتج عنه في بعض الدول العربية ما سمي مؤخرا بالربيع العربي. والسبب يعود في ذلك ان الفكر الأوحد مخالف لقول الله تعالى في كتابه الكريم في وصف المؤمنين (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)
ما اجمل ان نلتقي لنرتقي وأن نتحاور لنصل الى سدادالرأي، وما اقبح ان نمارس ارهابنا الفكري حتى مع اشد الناس مخالفة لنا.
اضف تعليقك