TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
" التعليم الجامعي بين الجَعْجَعَة والطَحِن "
09/03/2020 - 9:00pm

بقلم: إبراهيم هادي الشبول
... لقد كان للجامعات وما زال دور كبير وفعّال في التعليم ونشر الوعي وخدمة المجتمع ومواكبة تطوره، وهو من الأهداف السامية التي قامت وسعت الجامعات لتحقيقه منذ تأسيس أول جامعة عام 737م (جامعة الزيتونة في تونس) ولغاية الآن، ورغم أن جامعاتنا تحظى بمكانة متميزة بين مثيلاتها في الدول العربية من حيث كفاءة التعليم، ونوعية الخريجين الذين أدوا أدوارًا هامة داخليًا وخارجيًا، وهي جديرة بأن تكون مُنافسة وأن تصل إلى مصاف الجامعات المرموقة، إلا أن دور بعضها وللأسف، كما هو شأن كثير من المؤسسات التعليمية بالمنطقة العربية، بدأ بالتراجع خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا تلك التي تُعاني من المشاكل المالية والترهل الإداري، وضعف بعض القيادات وعدم نزاهتها، لهذا أصبح جليًا وواضحًا للعيان تراجع مستوى التعليم، وتدني مستوى كثير من الخريجين، حتى أصبحنا نرى خريج جامعة غير متخصص في تخصصه، ولا يعرف الكثير مما يجب أن يعرفه، رغم طول الفترة التي قضاها في الجامعة، والمبالغ الطائلة التي صُرفت عليه.
.. الارتقاء بالتعليم الجامعي أصبح هاجسًا يؤرق الجميع، وهو يحتاج إلى التعاون وتضافر الجهود، وكما قيل: ـ لا بد من إحداث ثورة بيضاء لإصلاح التعليم العالي ـ وتطويره، والعمل على رفع سويته وجودته والاستفادة من مخرجاته في بناء المجتمع، وحتى يتحقق ذلك لا بد للجامعات من أن تحظى بالدعم المادي المناسب، والقيادات النزيهة الكفؤة والمؤهلة، والتي يجب أن يتم اختيارها بنزاهة بعيدًا عن المحسوبية والشللية والاقصاء، حتى تكون قوية وقادرة على المنافسة، وأن تنتقل بالجامعة نقلة نوعية باتجاه الجودة بالتعليم والتميز، وأن تعمل على احداث تغيير في بُنيتها ووظائفها وبرامجها، وأن تقوم ببناء نظام تعليمي يشحذ الطاقات، ويحث على الإبداع، ويُشجع المبادرات والكفاءات وحفظ الحقوق، والاستفادة من تجارب الآخرين، حتى تستطيع أن تقدّم للمجتمع خريج مَرِن متعدد المهارات، قادر على التعلم الدائم، والتأقلم والتكيف مع التطورات التكنولوجية، والتغيُرات المُتسارعة في مختلف ميادين العلم والمعرفة، ليكون ويبقى مؤهلًا وملائمًا وقادرًا على تقديم الحلول المُبتكرة للتحديات المُستجدة، وتلبية احتياجات المجتمع، ومُتطلبات سوق العمل بالحاضر وبالمستقبل.
.. ليس تشاؤمًا ولا تهجُمًا، لكن يبدو أن بعض مخرجات العملية التعليمية في بعض الجامعات لا تعدو كونها جَعْجَعَةً بلا طَحِن، ومُعظمها نظريات بعيده عن الواقع، ومنها ما عَفَا عليه الزمن، لا تخدم الخريج ولا المجتمع ولا سوق العمل، ولا استغرب إن استمر الوضع على هذا المنوال، أن يستمر تراجع دور مثل هذه الجامعات في العملية التعليمية، ويُغلق بعضها أبوابه، لتصبح مُهددة بالاندثار كما اندثرت أشياء كثيرة هامة على مر التاريخ، وبالتالي يبحث الإنسان عن أماكن، أو طرق بديلة للتعلم ونقل المعرفة والتكنولوجيا، وبعضها بدأ يظهر فعلًا.
.. رغم كل هذا، لا بد من الإشارة إلى أن إدارات بعض الجامعات قد نجحت فعلًا في إحداث نقلة نوعية فيها، والتقدم إلى مستويات مرموقة، وذلك بعد أن عالجت الخلل ونقاط الضعف، واستفادت من مكامن القوة، بعيدًا عن تصفية الحسابات ونيل المُكتسبات، مما ساهم في تخفيض المديونية، وتحسين وتطوير كفاءة الأداء، فالإدارة هي العامل الأساس للنجاح والتقدم والتطوُّر والتَّميُّز، كما إنها قد تكون المُسبِّب للترهل والتخبط والتراجع والفشل، لهذا فكل ما نحتاجه هو معرفة الأسباب الحقيقية للخلل حتى تتم مُعالجته، وهذا لا يكون إلا بوجود مسؤول كُفْء، قادر على القيادة والإدارة بنزاهة وعدالة، وممارسة التخطيط الاستراتيجي وتقليل المخاطر، وأن يعمل على معالجة أسباب التراجع والتذمر وعدم الرضا، وبالتالي إعادة الثقة للعاملين بأنفسهم، وبالإدارة، وبالتعليمات التي تُصدرها، مع الأمنيات أن يعود لجميع جامعتنا ألقها وازدهارها، وأن تكون دائمًا بالمقدمة، وفي مصاف الجامعات المرموقة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)