TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم الهندسي في الأردن وصيغة السنة التحضيرية
09/05/2016 - 1:00am

طلبة نيوز:

أ.د. محمد إسماعيل الوديان - قسم الهندسة الميكانيكية
مدير مركز التطوير الأكاديمي وضمان الجودة – جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

في الوقت الذي تخرج فيه الإحصاءات علينا لتشير إلى حقيقة أننا في المملكة الأردنية الهاشمية من أعلى دول العالم من حيث نسبة عدد المهندسين لكل مواطن, وفي الوقت الذي تشير إحصاءات أخرى إلى أن هناك الآلاف من المهندسين الأردنيين الذين يعملون في الخارج والذين هم عرضة من الناحية النظرية على الأقل وحتى الموضوعية للعودة فرادى وربما جماعات في أي وقت, وفي الوقت الذي تعلن فيه نقابة المهندسين على لسان أحد نقباءها أن خريجي برامج الهندسة الأردنيين لا يملكون أكثر من 15% من المهارات المطلوبة في سوق العمل, وفي الوقت الذي تصدر فيه كل سنة نشرات وإحصاءات من نقابة المهندسين وديوان الخدمة المدنية تقول بصريح العبارة أن جل التخصصات الهندسية هي تخصصات راكدة بل هي أكثر من مشبعة, وفي الوقت الذي تنشر فيه أرقام نسب البطالة بين المهندسين وغير ذلك الكثير مما يقال ويكتب عن التعليم الهندسي الأردني مما قد أسميه قرع نواقيس الخطر في هذا المجال العلمي والمهني الهام, لا بد على أقل تقدير ومن باب أضعف الإيمان من طرح السؤال التالي: ماذا فعلنا بصدد ذلك يا ترى, والأهم منه, ماذا عسانا فاعلين؟
بداية, لا بد من الإشارة إلى أن تأهيل الإنسان الأردني بشتى الوسائل وخاصة التعليم العالي وفي العلوم الهندسية بالذات هي ضرورة تنموية أساسية وثبت أن لها مزايا اقتصادية –إجتماعية ذات قيمة لا تخفى على أحد, وأنها وفي كل الأحوال تصب ضمن المقولة الخالدة والتي أسست لرؤيا وطنية ثاقبة وطويلة الأمد لجلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه "الإنسان أغلى ما نملك." إلا أنه يبقى لزاماً أن يترافق مع ذلك خطة مرسومة تأخذ بالإعتبار بل وتضمن إبقاء هذا التأهيل والإستثمار في المصدر الأغلى –الإنسان- ضمن دائرة الفوائد المرجوة لخدمةحاجاتنا الحالية والمستقبلية وعدم ارتداد ذلك –لا سمح الله- في حال عدم أخذ زمام المبادرة والاستجابة للنواقيس لتفريخ تبعات اجتماعية وسياسية واقتصادية غير مرغوبة.
ولا يكتمل المشهد هنا دون الإشارة إلى أمرين كليهما في غاية الأهمية:
• الأول, عدم وجود دراسة علمية بمنهجية رصينة تعرف وتحدد المهارات المتوقعة والمطلوبة من خريجي برامج الهندسة المختلفة في السوقين المحلية وبذات الأهمية الإقليمية مما يجعل, من ناحية, من الصعوبة بمكان الثقة بما ينشر من نسب وأرقام ذات صلة, ومن ناحية أخرى, يصعب المهمة ويعقدها على القائمين على التعليم الهندسي للتعامل مع نقاط الضعف التي يتم تداولها.
• أما الثاني فيتمثل بعدم وجود خطة وطنية حتى تاريخ كتابة هذا لمقال –وفق ما أعلم- للتعامل مع التبعات المحتملة السلبية في حال استمرار الحال كما أوردنا بعض جوانبه أعلاه على ما هو عليه ومن استمرار تخريج كل هذه الأعداد من المهندسين.
وفي ظل هذا المشهد ككل, لا يملك المراقب إلا أن يلحظ أمرين ملفتين إضافة لما سبق –هما من الحقائق المثبتة- أولهما, أنه وفي ظل هذه الأعداد الكبير من خريجي الهندسة , نجد نقصاً واضحاً في سوق العمل في بعض التخصصات الهندسية وبعضها ذات صلة وثيقة بأهم وأكبر صناعاتنا الوطنية وعدم مبادرة الجامعات الوطنية الكبرى الجاذبة حتى الآن لفتح مثل تلك التخصصات, وثانيهما, هو قرار تخفيض الحد الأدنى لمعدل الثانوية العامة الذي يسمح بموجبه بدراسة الهندسة في الخارج ليصل إلى 70% مما يدفع بأعداد أكبر من خريجي الثانوية العامة للتوجه لدراسة الهندسة في الخارج ليؤدي فقط لتفاقم المشكلة! وهنا, ومع وعينا بوجود محددات على الجامعات الأردنية لفتح تخصصات جديدة, إضافة لوعينا بالقيمة الإجتماعية والإقتصادية لمهنة الهندسة في مجتمعنا, إلا أن المتابع لا يملك أيضاً إلا أن يضعهما في خانة التناقض الذي يتسم بالكثير من الغرابة!!
وإن كنت أرى أنه كان لا بد من هذه التوطئة, لكننا ولكي نخرج من ثوب ما قد يبدو من باب التنظير وندخل للب الموضوع ونعود لعنوان المقالة, يجب علينا أن نعترف أنه لا يمكن لعاقل إلا أن يتوقع أن برامج الهندسة الموجودة في الأغلبية العظمى من الجامعات الأردنية مع كل ذلك وجدت لتبقى كما هي وهي لن تذهب إلى أي مكان في المستقبل المنظور. وعليه, فمن الكياسة والواقعية أيضاً تناول الموضوع في هذا الإطار بدلاً من اجترار حلول أقل ما يقال فيها أنها عدمية. ومن هذا المنطلق, أود في هذا المقال أن أتقدم بمقترح محدد –كما هي عادتي- يتعلق هذه المرة بالتعليم الهندسي الأردني أرى أنه قد يشكل بداية جيدة وخطوة أولى للتحسين يمكن أن تتبعها خطوات (مثل ربط بعضها وتجييره مستقبلاً لخدمة التوجه المحمود للتعليم التقني) للتحسين ويعالج بعض أو الكثير من نقاط الضعف الحالية. ويمكن تلخيص المقترح بالنقاط التالية:
1. إجراء دراسة علمية رصينة ويفضل أن تقوم عليها جهة استشارية موثوقة ومتخصصة لتحديد أهم المهارات والمجالات المعرفية التي يحتاجها سوق العمل الأردني والإقليمي بانخراط كافة المعنيين وأصحاب المصلحة بدراسة ومهنة الهندسة.

2. تخصيص السنة الأولى من دراسة الهندسة وتحت مسمى "السنة التحضيرية" حصرياً وعلى مدار ثلاثة فصول دراسية (الأول, والثاني, والصيفي إجبارياً) لتحقيق هدفين نبيلين على الأقل هما:
• تعليم وتعزيز المهارات المطلوبة وفق الدراسة في البند 1 أعلاه والتي قد تتعلق بقضايا منها, على سبيل المثال, اللغة الإنجليزية, مهارات الإتصال, العمل ضمن فريق, ريادة الأعمال, وما إلى ذلك, بدلاً من المحاولات المتاخرة البائسة لتدارك ذلك بعد التخرج.
• توعية الطلبة الجدد بمهنة الهندسة عموما ومتطلبات دراستها وفرص العمل المتاحة في كل منها والتعريف بمختلف التخصصات الهندسية. والنقطة الأخيرة هذه تشكل معاناة كبيرة لكثير من الطلبة ومن شأن التعامل معها بطريقة فعالة وعلمية أن
o يتجه الطلبة لدراسة البرامج الهندسية التي تناسب ميولهم وقدراتهم وبالتالي تعزيز فرص نجاهم وتميزهم بدل الإختيار غير الواعي للتخصص كما هو الحال السائد.
o يتجه بعضهم لدراسة تخصصات أخرى منذ البداية إن قرروا بطريقة واعية هذه المرة أن دراسة الهندسة لا تناسبهم
o حصد الكثير من الفوائد والمنافع الإقتصادية والإجتماعية التي تعود بالخير من ذلك على الفرد والأسرة والمجتمع ككل.
3. إقتصار دراسة بقية البرنامج الهندسي على أربعة أعوام دراسية لا تزيد عدد ساعاتها عن 124 إلى 130 ساعة في كافة الجامعات الأردنية دون استثناء بالتوافق بين وزارة التعليم العالي وهيئة إعتماد مؤسسات التعليم العالي والجامعات وهي كما هو معلوم الممارسة الشائعة في الجامعات الأمريكية التي تتبع الجامعات الأردنية نموذجها في التعليم الهندسي والتي تخرج أفضل المهندسين في العالم. وبالتالي يبقى مجموع سنوات دراسة الهندسة خمس سنوات كما هو الحال الغالب حالياً.

4. زيادة جرعة التدريب الميداني (العملي) لطلبة الهندسة لتتوزع على ثلاث فترات مدة كل منها شهران بدلاً من الفترة الواحدة المعمول بها حالياً على أن توضع صيغة عملية مركزية "لإدارة" هذا الملف الشائك موطنة في وزارة التعليم العالي لضمان تحقيق الفائدة الحقيقية المرجوة من التدريب الهندسي بالتنسيق مع القطاع الصناعي والتقني الحكومي والخاص.
ما أرجوه أن يجد المعنيون فيما جاء هنا ما يمكن التنبه إليه وتداركه ووضع الخطط المسبقة للتعامل معه وما يمكن البناء عليه الإستفادة منه والنظر إليه كمرحلة أولى هامة تتبعها مراحل للحفاظ على مكانة وهيبة واحدة من أهم المهن وأكثرها تأثيراً في المملكة الأردنية الهاشمية.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)