TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم والتطرف والموازنة
02/03/2015 - 3:15am

طلبة نيوز- د باسم الطويسي

واحدة من أبسط الطرق لكشف مدى جدية الحكومات في خططها وسياساتها التنموية والاجتماعية، هي البحث في السياسات المالية؛ هل تعكس هذه السياسات خططاً موازية في المخصصات والإنفاق لما يُطرح في السياسات الاجتماعية والتنموية؟ ولعل هذا ما يفسر الحلقة المفرغة التي ندور فيها منذ ثلاثة عقود، بفشل الكثير من السياسات العامة. وأقرب مثال على ذلك شغلنا الشاغل هذه الأيام؛ إذ ملأنا الدنيا خطابات تتحدث عن الخطط الحكومية لمحاربة التطرف، لكننا لم نر هذا الأمر ينعكس في أرقام الموازنة العامة بشكل جدي، وتحديدا في القطاعات التي يمكن أن تُحدث الفرق الحقيقي.
انعكست الظروف الأمنية الإقليمية، ومتطلبات دخول الأردن في التحالف الدولي ضد الإرهاب، في مخصصات وزارة الدفاع؛ أي الخط المباشر لبناء القدرات الدفاعية، والحفاظ على الاستعداد للاحتمالات كافة، لكن ماذا عن الخطوط العميقة لمكافحة التطرف الداخلي، وفي المقدمة وقبل أي شيء آخر، مخصصات التعليم؛ حيث المكان الأول والأخير الذي تنجز فيه الخميرة الاجتماعية؟ إذ ما تزال مخصصات التعليم تراوح مكانها في حدود 9 % من الإنفاق العام، وبما يؤكد أنها موازنات غير إصلاحية؛ فكيف نطلب من وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والجامعات الرسمية، القيام بدور جديد في مجال محاصرة التطرف وغرس ثقافة جديدة؟
على الرغم من النمو الطبيعي في أعداد الطلبة، وما يشكله اللجوء السوري من ضغط على النظام التعليمي، إلا أنه لم تشهد ميزانية التعليم العام سوى زيادة طفيفة لا تتجاوز 27 مليون دينار (910 ملايين دينار لهذا العام، مقارنة بـ883 مليون دينار العام الماضي). والأمر يبدو أكثر قسوة وصعوبة، إذا ما علمنا أن 75 % من هذه الميزانية تذهب للرواتب؛ فماذا تبقّى للأبنية المدرسية والتدريب والأنشطة الطلابية، وصولا إلى المناهج وجهود الحد من التطرف؟!
إن الطريق الأقل كلفة، والتي تتطلب زمنا أقل، تتمثل في ثورة حقيقية في التعليم. وهو ما أشارت إليه كل الأدبيات، ومنها تقارير التنمية العربية التي رعتها الأمم المتحدة منذ مطع القرن الحالي. وهناك قناعة بهذه الطريق، ولا يحتاج الأمر إلى إعادة اختراع العجلة، في الوقت الذي شهدت السنوات العشر الماضية تراجعا واضحا في الإنفاق على التعليم في الأردن، من 11 % إلى أقل من 9 % من الإنفاق الحكومي، ونحو 4 % فقط من الناتج الإجمالي الوطني. في المقابل، يذكر البنك الدولي مؤخرا، أن الإنفاق العام على التعليم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلغ 18.6 % من إجمالي الإنفاق الحكومي، بالمقارنة مع المتوسط العالمي البالغ 14.2 %؛ بمعنى أن ثمة إدراكا متزايدا حتى لدى دول المنطقة بأن "التعليم هو الحل". وازدياد هذا الإدراك واضح في عدد من الدول العربية، وتحديدا دول الخليج، من دون أن يقتصر الأمر عليها. فقد شهدت ميزانيات التعليم في المملكة المغربية قفزات هائلة خلال السنوات الأخيرة، إذ تجاوز الإنفاق على التعليم نسبة 25 % من موازنة الدولة للعام 2015، وتمت مضاعفة حوافز الأساتذة الجامعيين المغاربة في مواجهة استقطاب الخليج وكندا لهم. كما تجاوزت مخصصات التعليم في السعودية في العامين 2014 و2015 أكثر من 25 % من موازنة الدولة. ومؤخرا، خصصت الحكومة السعودية نحو 63 مليار دولار للتعليم، تركز على تطوير الجامعات، حيث يوجد اليوم أكثر من 130 ألف مبتعث على نفقة الحكومة، ينهون دراساتهم في أرقى الجامعات العالمية في 26 دولة. هذا في حين تجاوز الإنفاق القطري على التعليم في آخر ثلاث سنوات كل التوقعات، فتجاوز العام الماضي مبلغ 6.2 مليار دولار.
مع ذلك، فإن إصلاح التعليم وتحويله إلى تعليم مؤسس على الانفتاح والإبداع وقبول الآخر ورفض التطرف، لا يكمن في الإنفاق وحده، حيث يمكن أن تنفق بعض دول أموالا طائلة على تعليم فاشل يقدم مخرجات رديئة. لكن الإنفاق على إصلاح التعليم هو استثمار اجتماعي-اقتصادي بالدرجة الأولى في حالة الأردن، حيث لا يوجد أمامنا إلا هذه الطريق. فكلما هزتنا الأحداث تعودنا وتعلمنا أن نتأكد من الجبهة الداخلية. وهذه المرة، فإن سلامة هذه الجبهة على المدى البعيد، في التعليم؛ أولا وأخيرا.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)