TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
#الجامعة_الهاشميّة: الدّرّة الزّهراء ونزهة الألبّاء
10/11/2016 - 5:00pm

طلبة نيوز:

بقلم: الأستاذ الدّكتور عمر الفجّاويّ
يكتنفني عشق لهذه الدّرّة الزّهراء الوهيج الّتي تبعث أشعّة النّور في الآفاق، لتنير حالك الظُّلَم، وهي وقور على ظهر فلاة لم تؤنس بها عيشة رغد، بل لم يعرف بها ساكن رسمًا، لكنّها أحالتها بتنويرها إلى معيشة كريمة، تتوقّد فيها الفِكَر، وتشتعل العقول، فأضحت نزهة الألبّاء، ونديّ الأدباء، ومجمع العلماء.

إنّها #الجامعة_الهاشميّة، ريحانة الصّحراء، الّتي بناها كرام شهماء لتكون المنهل العذب الّذي إليه يفيء طلبة العلم، ويقضي فيه الأساتذة أوقاتهم باحثين ومحقّقين، فقد بنوْها فأعلوْا والقنا يقرع القنا وموج المنايا حولها متلاطم، فأضحى هذا المنهل كثير الزّحام، ولا ترى فيه إلّا شيخًا قد طار غرابه وهو يكدح على تآليفه وبحوثه، نشدانًا للرّصانة والحصافة، أو شابًّا قد آب وقد نال الدّرجات العلى في جامعات ذوات صيت وسمعة، وهو يمشي سويًّا على صراط مستقيم في مختبره وأوراقه، أو عالمـــًا قد انحنى قوسه في الخُبْر ومداورة الشّؤون، وهو يذرع فضاء الله يلقي بحثًا أو يلقى مفكّرًا، فآنسنا بهذا كلّه اسم الهاشميّة يداني الشّمس زهوًا ومكانة، وقد حقّق منسوبوها أميز الكرامات وأنبل الدّرجات، وتكلّموا على علومهم في جامعات يشار لقاؤها بالإصبع.

إنّ منجزًا علميًّا هذه حاله لحريٌّ بكلّ أردنيّ أن يعلي به هامته، فقد اجتمعت على تكريمه كلّ الشّهامات الأردنيّة، كما أنّه سيغدو منجزًا للإنسانيّة جمعاء، وإرثًا ثقافيًّا وحضاريًّا في قابل الأيّام، ولا بدّ أن تلتقي الكفايات العلميّة والسّياسيّة والاقتصاديّة في بلدنا من أجل إبقائه منارًا منيفًا، ولا يجوز أن تكتئده العِقاب، وتشوّه وجهه أيّ خادشة أو خارمة.

إنّ الأصول الجامعيّة تقتضي أنّ تظلّ الجامعة هي سيّدة الموقف، وصاحبة الكلمة الأولى واليد الطّولى في العلم والمعرفة، وأن يُحَجّ إليها في العصيب من الأمور، ففيها بيوتات المعرفة، وينبغي أن تظلّ قاصية ونائية من التّجاذبات والتّدخّلات والصّراعات، لأنّ فيها حلّ كلّ هذا، وهذا ما استقرّ عليه العرف الجامعيّ في العالم كلّه، فإن حدث ما يعكّر الصّفو ويطأ من قيمتها، فعلينا إعادة النّظر في طرائق تفكيرنا، وأن نجيل أبصارنا وبصائرنا حين نقدم على مثل هذا.

وممّا علم بالضّرورة أنّ للجامعة_ أيّ جامعة _مقامًا جليلًا لا يجوز أن يمسّ أو يدانى، فهي كالشّمس في رائعة النّهار تبثّ شعاعها إلى العالم، أو كالبدر ليلة تِمّه، من حيث التفتَّ رأيته يهدي إلى عينيك نورًا ثاقبًا، ومَن سوى أساتذتها وطلبتها يفعل ذلك؟ فالخير معقود عليهم بأن يلتقوا على قلب رجل واحد من أجل أن تظلّ الجامعة في مراقي العزّ ومعارج الشّرف، ويعضدهم إخوتهم في المجتمع الّذي يحوطهم.

إنّ في عرف الجامعات الغربيّة _وهو ما استقرّت عليه ثقافتنا الّتي اتّخذناها
ظهريًّا_ أن يتبارى المجتمع في تثبيت أوقاف لإنهاض الجامعة، فكم من الجامعات _ الّتي بتخرّجنا فيها نعتزّ أو بالمشاركة في مؤتمراتها أو إلقاء المحاضرات فيها نفتخر _ تقوم على الأوقاف بأموال تطاول موازنات بعض الدّول، لا أن يتبارى المجتمع في تحقيق المكاسب منها.

وكم يعظم في عيني كريم أو نبيل وهو يهدي إلى الجامعة جزءًا من ثروته: مالًا أو عقارًا أو كتبًا، وكم يحلو كذلك أن تضحي هذه ثقافة في مجتمعنا، لا أن ينشغل رؤساء الجامعات في استقبالات من أجل وساطات ضيّقة، أو مسائل شخصيّة.

وقد ضاقت نفسي وتحرّج صدري حين وجدت عددًا من أبنائنا وقد لجأوا إلى الاعتصام _ ولست في قولي هذا متحدّثًا عن سبب هذا الاعتصام _ فأنا أتحدّث بصوت جهوريٍّ مرتفع يدفعني إليه قناعاتي ولا أبغي فيه سوى وجه الله وحبّ جامعتي الهاشميّة، أتحدّث عن فلسفة الاعتصامات وكنهها وعواقبها، وأتساءل: أليس الاعتصام تعطيلًا للمعتصمين أنفسهم وللآخرين كذلك؟! ألا يحرو بنا أن نحافظ على بيضة جامعتنا الهاشميّة وبيضة بلدنا الّذي يبدو حديقة في لهب هذه الحريقة؟! ثمّ أليس العقل الّذي اجترح فكرة الاعتصام بقادر على أن يجترح فكرة أخرى للتّعبير والاحتجاج؟ إنّها الحوار والنّقاش.

أقول قولي هذا وأنا أؤكّد أنّ من حقّ كلّ أحد أن يتكلّم، ولكن ليس من حقّ أحد أن يختار طرائق التّعبير عن هذا الحقّ، إذ ينبغي أن ينعم النّظر إن كان صاحب حقّ أو لا، وأن يتحرّى الأسلوب الّذي به يقول ويتحدّث، حتّى يعلم تأثيره فيمن حوله، فقد قال معاوية وهو الدّاهية في الحلم: كلّ ذنب موضوع إلّا القدح في هذا الملك، ثمّ إنّ ممّا استقرّ عليه العلماء أنّ الظّلم الغشوم خير من فتنة تدوم، ومع هذا فلسنا مع الظّلم ولا مع الفتنة، ولكن، قال أهل الشّريعة الغرّاء: إذا أردت أن تغيّر منكرًا، وعلمت أنّ في تغييرك إحداتًا لمنكر أكبر منه، فدع هذا التّغيير، وأظنّ أنّ ألسنة اللهب المنبعثة من حولنا أوجه دليل وأقوم حجّة.

إنّني أرجو من طلبتنا وأبنائنا ومن يعضدونهم من النّواب والإعلاميّين الكرام أن يستمعوا إلى خطاب العقل والآراء الأخرى، فقد قالت العرب: نصف رأيك مع أخيك، ولا نزيد على أيّ واحد منهم في حبّه للهاشميّة وانتمائه إلى هذا الحمى الأردنيّ الأشمّ.

كنت أرجو من طلبتنا أن يتعاضدوا ومعهم المجتمع المحلّيّ ليؤسّسوا ثقافة في جامعاتنا تبدو منعدمة، ولكنّها معمول بها في الجامعات الغربيّة، وهي ثقافة تبرّع الخرّيج لجامعته اعترافًا بفضلها عليه، وقد رأيت ورأى غيري التّبرّعات العظمى الّتي تكون بالملايين من الخرّيجين إلى جامعاتهم، فلا ضير أن نخرج من تعظيم الشّأن الخاصّ إلى تعظيم الشّأن العامّ.

لقد استبدّت بنا ثقافة : إمّا أو، وهي ثقافة تتبنّى النّزعة الإطاحيّة في أفكارها وآرائها وأحكامها، ظنّا منها بأنّها تقف على مركزيّة اليقين، ودونها شتات على حافة الشّكّ والرّيبة، وأرى أن نبرح هذه الثّقافة إلى ثقافة: لِمَ لا، لأنّ فيها فلسفة الممكن والمنطق المتعدّد، كما يقول عصمت نصّار، أمّا تلك فهي ثقافة القلاع والحصون الّتي لا تحول ولا تزول.

وحسبي أن أغلق كلمتي هذه بأنّ الله تعالى قد علّمنا دروسًا في الحوار في قرآنه الكريم، فهو جلّ شأنه قد حاور صنوف خلقه، إذ حاور إبليس، وحاور الأنبياء، وحاور الجمادات، وعرض الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين، ولكنّه لم يراجعهنّ ولم يعاتبهنّ، أليس جلّ وعزّ هو القائل: وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين؟ أوليس هو القائل: وقولوا للنّاس حسنًا، أوليس في هذا كلّه تذكرة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا؟! بلى والله!

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)