TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
العناد السياسي
07/06/2021 - 3:00pm

الدكتور عارف بني حمد

العناد سلوك بشري يسيطر على الفرد بمختلف الأعمار، مثله مثل سلوكيات أخرى، كالبخل والكرم والطيب والحقد والتسامح والأنانية واللامبالاة، وهو الوجه الآخر للمكابرة والتصلب والتعنت بالرأي، مما قد يتسبب بالضرر للفرد صاحب هذه الطباع. وبما أن العناد سلوك بشري فقد تمارسه أحيانا الأنظمة السياسية والحكومات والقوى السياسية والحزبية والنقابية والعشائرية وهو ما يطلق عليه (العناد السياسي).

وفي هذا الإطار فإن الأزمات الاجتماعية والسياسية والأمنية التي تلقي بظلالها في أكثر من بلد عربي أنتجتها حالة العناد السياسي. والتجربة تقول إن هذه الأزمات بما تجلبه من فوضى؛ تصبح ككرة الثلج التي تكبر كلما تباعدت لغة الحوار المسؤول ، وجاءت أحداث الربيع العربي عام 2011 لتعكس حالة العناد السياسي لدى الأنظمة السياسية التي رفضت الإستجابة للمطالب الشعبية في تحقيق إصلاحات سياسية وإقتصادية تنهي حالة الإستبداد السياسي وتقضي على الفساد السياسي والمالي والإداري وصولا الى دولة المؤسسات ودولة القانون والمواطنة والعدالة الإجتماعية .

ونتيجة للعناد السياسي سقطت بعض الأنظمة السياسية، وبعض الأنظمة الأخرى إنحنت للعاصفة وقامت ببعض الإصلاحات السياسية غير الكافية ثم تراجعت عنها مع مرور الوقت . وبالتالي فإن النتائج كانت وما تزال مخيبة للآمال بالنسبة لشعوب تلك الدول ، وهي التي راهنت على تغييرات حقيقية يحقق لها انتقالا سياسيا آمنا ومضمونا نحو المستقبل يحقق لها حريتها وكرامتها وحقها في دولة ديمقراطية مثل شعوب العالم . وبدا  وكأن حلم المستقبل يبتعد تدريجيا كلما تفاقمت حالة العناد السياسي بين الأطراف التي تشكل وتدير المشهد في هذه الدول، وكان أكثر المتضررين من هذا الواقع؛ النسيج الاجتماعي وبروز الهويات الفرعية على حساب هوية الوطن الجامعه .

إن العناد السياسي هو من أوصل العديد من الدول العربية إلى حالة عدم الإستقرار السياسي الذي يتحمل مسؤوليته النظام  السياسي الذي يكابر ويعاند لأنه لم ينتبه للمخاطر التي تهدد أمنه، كون قراءته للواقع كانت أحادية وقاصرة. وسيبقى المشهد في العديد من الدول العربية التي تعيش حالة عدم إستقرار داخلي ؛ مستمرا طالما استمرت حالة العناد السياسي بدلا من البحث عن نقطة التوازن التي تحقق مصالح الجميع وتنهي  عملية التدمير الذاتي والاحتراب وسياسة الغلبة.

وبلدنا الأردن لم يعد يحتمل المزيد من التراجع والتدهورالسياسي  والاقتصادي والمعيشي الذي أنهك المواطنين ، وقد مر على الأردن  أزمات عديدة ولكن كانت الأمور تعالج بحكمة زعمائها وبعد نظرهم، وكان الوطن هو الهدف الأول والأخير لهم . ومطلوب من النظام السياسي تحمل المسؤولية في إيجاد الحلول لحالة العناد والإستعصاء السياسي والإنطلاق بذهنية جديدة في الإصلاح السياسي المنشود وصولا لحالة إنفراج سياسي .

وفي الختام يقول إبن كثير في كتابه "البداية والنهاية " : حين أحاطت جيوش العباسيين بأخر خلفاء بني أمية (مروان بن محمد)  ، طلب الخليفة مشورة ونصح من حوله فلم يتحدث سوى خادمه الذي قال : يا أمير المؤمنين "من ترك القليل حتى يكثر والصغير حتى يكبر والمستور حتى يظهر وأجل أمر اليوم الى الغد حل به هذا وأكثر " .

والله من وراء القصد

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)