TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الفساد والإستهتار الوقح بفكرة الدولة 
19/12/2018 - 6:00am

بقلم الدكتور عارف بني حمد
بمناسبة جلب المتهم عوني مطيع ، لا بد من الإعتراف أولا بأن هناك أزمة ثقة بين المواطنين والدولة وليس حصرها في حكومة بعينها ، بسبب إستشراء الفساد في كل مفاصل الدولة، وغياب أي إجراءات جدية في مكافحة الفساد . وأجمل تعريف للفساد هو معادلة "روبرت كليتغارت":( الفساد = إحتكار + سلطة + عدم أهلية المسؤولين – الشفافية والمساءلة والمحاسبة) . وهناك ثلاثة مؤشّرات دولية أساسية يُمكن من خلالها إستخلاص وجود الفساد في بلد مُعيّن: وضع المالية العامّة، مستوى الفقر، و مستوى الخدمات العامّة. وبالتالي أي دولة تكون فيه هذه المؤشرات مُتردّية، يكون فيها الفساد مُستشريا .
والفساد في الأردن أصبح علة العلل وشكل العامود الفقري لاهتراء الدولة وتآكل بنيانها، إقتصادياً كان أم إجتماعياً، سواء على المستوى الاداري الضيق أو على مستوى مكامن الهدر فيها من صفقات ومحسوبيات وتلزيمات لا تراعي الأنظمة المرعية والاحكام القانونية، والذي شكل بطبيعة الحال مكمنًا قاتلاً لخزينة الدولة الاردنية ومواردها ورتب بالوقت نفسه ديونًا تراكمية بالمليارات تحتاج الى قدرة قادر للتخلص من أعبائها، وهذا ما شكل معه نموذجًا سيئًا لواقع مهترئ تحكمه أولويات المصالح الشخصية والمحسوبيات وتفحّ منه روائح السمسرة والصفقات والتلزيمات المشبوهة .
وقد أصبحنا اليوم أمام ظاهرة غير طبيعية، لها منحى" الفساد الوقح" الذى أصاب كل مفاصل الدولة الحيوية وانعكس سلبًا على بنيان الاقتصاد الوطني وهيكليته، وشكل بالوقت نفسه جرحًا نازفًا في خزينة الدولة . وكان من الطبيعي ان تأخذ الأمور هذا المنحى السيئ في نتائجها لتصل ربما الى مرحلة يصعب معها اعادة الوضع الى طبيعته أو العيش في ظل الدولة القانونية التي لها كل مقومات وركائز الدولة القوية والقادرة والفاعلة. مما قد ينذر بأشد العواقب، فيما لو لم يجر العمل سريعًا على معالجته بخطوات عملية مسؤولة تضع النقاط على الحروف وبقرار سياسي حاسم، بعيدًا عن اي اعتبارات أو مصالح شخصية.
ومن هذا المنطلق من العبث الحديث عن دولة القانون في ظل واقع مهترىء متشعب المصالح ومتناقض الخيارات ليصبح الفساد في ظلها واقع مشرعن ومحمي إلى حد ما ويدور في فلك الاستهتار الوقح بفكرة الدولة انطلاقًا من مقولة "المال السايب بعلم السرقة". 
فالفساد أدّى الى إضعاف فاعلية الدولة وقدرتها على المحاسبة والمساءلة، وعدم كفاءة أجهزتها من ناحية ثانية في التصدي لهذه الظاهرة، وكل ذلك بسبب ضعف حالة الدولة وترهل أجهزتها ومؤسساتها الرقابية واختراق تلك المؤسسات من جهات تعمل لمصالحها الخاصة وعلى حساب المصالح العامة، وكل ذلك في ظل ضعف الإنتماء الوطني والهوية الوطنية وسهولة الإنجرار لخدمة المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة، مما ولّد معه حالة غير طبيعية يصعب معها التعامل مع فكرة الدولة القانونية، ما شكّل تناقضاً في المفاهيم الإجتماعية لأسس بناء الدولة وساهم بشكل أو بآخر بزيادة الأوضاع سوءاً وتأزّما .
وفي الختام، لا يسعنا القول أن الأردن لن ينهض لا إقتصاديًا ولا ماليًا ولا إجتماعيًا إلا إذا تمّت محاربة الفساد .
وحمى الله الأردن من الفساد والفاسدين 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)