TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
تحرير الإنسان قبل تحرير الأرض
19/11/2014 - 2:00am

طلبة نيوز- د.رحيل محمد غرايبة 

التجارب النضالية الحديثة والقديمة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن الخطوة الأولى ذات الأهمية البارزة التي تشكل أولوية الأولويات لدى كل الشعوب المقهورة  تتمثل بتحرير الإنسان أولاً، قبل الشروع بمواجهة العدو والغزو الخارجي،  وقبل الشروع بالتقدم نحو آفاق التحرير الأخرى المتعلقة بالأرض والمقدسات، ومختلف ما تملكه الأمة من مقدرات وانجازات مستلبة.
كل التجارب النهضوية الناجحة ارتكزت ابتداءً على عملية بناء الإنسان وإعداده إعداداً حسناً، يتناسب مع ما ينتظره من مهام صعبة وشاقة تحتاج إلى إرادة حرة، وعقل منطلق، وهمة عالية، وروح وثابة، ونفسية سليمة تخلو من الأمراض القاتلة ،التي تحط من قدرة الإنسان على مواجهة الصعاب وتحمل المشاق، فضلاً عن امتلاك القدرة على الفهم وإدراك الحقائق، وفك الألغاز المحيطة بالمشهد المعقد والواقع المؤلم.
في مقابل ذلك تشير الوقائع التاريخية أن الهزائم التي تتعرض لها  الأمم والشعوب المنكوبة،انما  كانت بسبب الهزيمة الداخلية العميقة التي لحقت بالإنسان، وجعلت منه كائناً ضعيفاً هشاً قابلاً للكسر، وقابلاً للهزيمة وقابلاً للذل والخضوع، وهو ما عبر عنه المفكر الإسلامي «علي شريعتي» «بالقابلية للاستعمار» لدى الشعوب المستعمرة (بفتح الميم)، أوما عبر عنه المناضل الهندي الكبير «غاندي» عندما قال بأن لا أحد يستطيع امتطاءك إلّا إذا أحنيت ظهرك.
هذا المعنى يمثل سنة كونية، لا تبديل لها ولا تغير، مستمدة من قوله تعالى في كتابه الكريم، « انَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» سواء كان هذا التغيير في اتجاه إيجابي أو اتجاه سلبي، بدليل الاية الأخرى التي تناولت المعنى نفسه «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ  وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» بمعنى أن ما تتعرض له المجتمعات البشرية الصغيرة والكبيرة من هزائم، وانتكاسات، أو احتلال للأرض أو ضياع للمقدسات، إنما كان ذلك نتيجة لوضع الإنسان النفسي  أولاً، والوضع النفسي العام لمجمل المجتمع البشري، وهو ما عبر عنه القرآن عندما أجاب على السؤال عن الهزيمة القاسية التي اصابت المسلمين في احدى الوقائع التاريخية بقوله : «  أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ»، والآية الأخرى الأكثر وضوحاً « وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ».
وبناءً على ما سبق فإن احتلال العدو للأرض يسبقه احتلال أشد بشاعة يقع على الإنسان اولا؛ حيث يصيب عقله ونفسه وإرادته، ويجعل منه آدمياً خاوياً، حتى لو كان يحمل أرفع الشهادات وأرقاها، ويحتل أعلى المناصب واخطرها، ويتوشح بأسمى الشعارات والألقاب، مما يحتم علينا أن نفتش عن السبب اولا في أنفسنا، وحنايا ظهورنا وفي صفوفنا الداخلية عن الفساد الروحي، والانحطاط الخلقي، والهزيمة النفسية التي تجتاح الأغلبية التي عبر عنها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إذا كثر الخبث»
البحث عن الخبث ليس أمراً مستحيلاً ولا صعباً، حيث يظهر ذلك بوضوح بالأقوال والتصرفات، ويظهر بفعل الدس الرخيص والنخز، ونشر الفتنة عبر المنابر الإعلامية المتاحة التي تقود مهمة نشر الوباء، وإشاعة الفاحشة، مما يحتم على العقلاء واصحاب الهم الوطني، وكل المخلصين الشرفاء من أبناء الأمة إلى الانتباه واليقظة لهذا الطاعون الذي أودى بالإرادة المجتمعية، وأطاح بالقدرة الجمعية على الاصلاح، وصيانة الأوطان وحمايتها من عبث العابثين وفساد المفسدين؛ الذين يقتلون الروح ويفتكون بالارادة ويحطمون المعنوية العامة للأمة.
لا طريق أمامنا إلّا عبر الالتفات إلى مشروع إعادة بناء الإنسان، وإعادة بناء المجتمع، من خلال خوض معركة تحرير الإرادة وتحرير العقل وتحرير النفس، وإزالة كل أنواع الاحتلال المعنوي البغيض الذي يتربع على الرقعة الواسعة من الإرادة الجمعية، وازالة كل انواع الرق المعنوي والعبودية المقيتة، والتخلص من آثار الهزيمة الداخلية القابعة في اعماق ذواتنا، قبل الانطلاق نحو معركة التحرر المادي.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)