TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
حوارات المستقبل وإصلاح التعليم العالي
21/08/2019 - 10:15am

أ .د. سيف الدين الفقراء/ جامعة مؤتة
طالعتنا المواقع الإخباريّة ببيان صادر عن جماعة عمّان لحوارات المستقبل يتضمن اقتراحات ورؤى لإصلاح التعليم العالي في الأردن وإنقاذه ممّا أصابه من أمراض وعلل, وتضمن البيان مقترحات الهدف منها السعي نحو الإصلاح والتطوير, ولم نر فيها ما فيه إساءة أو نيل من مؤسسات التعليم العاليّ, بل كانت رؤى تعبر عن أفكار نحترمها من هذه الجماعة في قضايا التعليم العالي, وهذا المقال ليس رداً على البيان بل هو رؤية من الرؤى التي تصبّ في تعدد مصادر الحوار وموارده, على أمل أن تكون نتائجه أكثر نجاعة في تحقيق الإصلاح المنشود.
إنّ ما تضمنه البيان من دعوى لإلغاء وزارة التعليم العالي والاستعاضة عنه بمجلس للتعليم العالي تناسى أنّ الأردن مرّ بهذه التجربة قبل بضع سنوات, عندما ألغيت وزارة التعليم العالي, ورُبط مجلس التعليم العالي برئيس الوزراء, ولم يتحقق شيء من الإصلاح بل كانت التجربة فاشلة بامتياز, ولم نحقق سوى تراجع في التعليم العاليّ وبعض الاضطراب في مسيرته في تلك الفترة. ولهذا نرى أنّ صمام الأمان في التعليم العالي هو بقاء الوزارة وتفعيل أدوارها, وفصلها عن وزارة التربية والتعليم, لأهمية الوزارتين وحاجتهما إلى وزيرين متفرغين.
إن إلغاء وزارة التعليم العالي بحجة استقلال الجامعات أكبر خطر تواجهه مسيرة التعليم العالي, فاستقلال الجامعات في ظل منظومة المحسوبيات والشللية وثقافة الفساد السائدة في الوطن ستكون رصاصة الرحمة على التعليم العالي, فتحت بند الاستقلال امتلأت الجامعات بأعضاء هيئة تدريس ممن لا يجوز لهم الولوج إليها, وتحت هذا البنت سارت بعض الترقيات, ونشرت البحوث, ومنحت الدرجات في الدراسات العليا, واعتلى مقاليد الأمور في الجامعات من هم ليسوا أهلاً لها, وحصل التراجع الذي لا ينكره أحد, ولعلّ إفرازات مجالس الأمناء في اختيار الرؤساء ونواب الرؤساء ما زالت ماثلة في جامعاتنا بنتائجها السلبية, ولسنا في حاجة لعصر الذاكرة واسترجاعها لبيان أنّ توصيات مجالس الأمناء في التعيين والتجديد لم تحترم عندما لم يجدد مجلس الوزراء في عهد حكومة النسور تعيين أحد الرؤساء بناء على حسابات سياسية.
إنّ أفضل إفرازات التطوير في مسيرة التعليم العالي هي لجنة القبول الموحد للطلبة؛ فإعادة القبول إلى الجامعات مباشرة في ظل عدم تكافؤ مستوى التعليم بين المحافظات والألوية, وعدم تكافؤ الثكافة السكانية في الأماكن التي تتوزع فيها الجامعات, سيكون ذا نتائج عكسيّة على الجامعات سواء في نسبة القبول أو نوعية الطلبة المقبولين, ونحن في حاجة إلى عدالة أكثر في القبول من خلال إلغاء سياسة الكوتات والنسب الاستثنائية, واعتبار المعدل والجغرافيا أساساً في توزيع المقاعد لتحقيق العدالة بين أبناء الوطن.
لا أعرف ما المقصود بأن يتحمل الطالب مصاريف دراسته؟ وهل نسيت جماعات عمّان أن موازنة الدولة الأردنية تقوم على المواطن بالدرجة الأولى؟ وهل قارنت هذه الجماعة تكاليف الدراسة التي يتحملها المواطن مع ما هو معمول به في الدول المحيطة بنا؟ حتى المنح والبعثات التي تقدمها الجهات الحكوميّة للطلبة المبتعثين هي من جيب المواطن الأردني دافع الضرائب والرسوم, وما أجمل لو أنّ الجماعة طالبت بإلغاء كوتات المنح, ومساواة الأردنيين في نظام واحد موحد للمنح يقوم على أسس موضوعية تعتمد التفوق والحاجة أساساً في الحصول على بعثة, وحبذا لو عرّجت الجماعة على الإعفاءات لو كانت تعرف عنها الكثير. وكنى نتمنى أن تكون الرسوم موحدة بين الجامعات ونحن نتحدث عن المساواة الدستورية!
إنّ توسيع صلاحيات مجالس الأمناء كارثة إضافية لما هو واقع الآن, ولا أحد ينكر إن مجالس الأمناء بتشكيلتها الحالية جزء من المشكلة في التعليم العالي, وقد أناط القانون بهذه المجالس السعي لتأمين الدعم المالي للجامعات وهو الأمر الذي لم يحصل, وأناط بها جانباً رقابياً وهو أمر لم نلمسه إطلاقاً, إن مجالس الأمناء مغيبة في الواقع عمّا يحصل غلى الأرض في الجامعات وهذه هي الحقيقة, ولعلّ إلغاء مجالس الأمناء وإعادة صلاحياتها إلى مجلس التعليم أكثر فائدة للتعليم العالي وإصلاحه.
نعم نحن في حاجة ماسة لرجع النظر في ضوابط إنشاء الجامعات وكلياتها, ومنح التراخيص, ووقف الامتيازات الممنوحة لغير الأردنيين, ووضع معايير صارمة في التعيين, والترقيات, وتوحيد الأنظمة والتشريعات, وتوحيد الرواتب والعلاوات, وتعزيز منظومة الشفافية والعدالة في القبول والمنح والبعثات, وتنظيم التخصصات, والتقييد بالمعايير الأكاديمية, ووضع ضوابط ومعايير دقيقة في إسناد المناصب القيادية إلى مستحقيها في الجامعات على مستوى الرؤساء ونوابهم والعمداء ورؤساء الأقسام, وإخضاع كلّ الجامعات الأردنية لقوانين الدولة وتشريعاتها, ووضع ضوابط رادعة للمخالفات بأنواعها كافة إذا أردنا مراجعة سياسات التعليم العالي, وتحقيق نتائج إصلاحية حقيقيّة تعزز مكانة الأردن بين دول العالم في مجال التعليم العالي.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)