طلبة نيوز- كتب د. عبدالله حسين العزّام
تهتم الحوكمة في المقام الأول بكيفية عمل الأشياء في المؤسسة العامة، وتتضح الحوكمة من خلال جملة العمليات المتمثلة في القواعد والسياسات والإجراءات، بمعنى إخضاع عمل المؤسسة الى جملة من الأنظمة والقوانين والمعايير التي تحقق الانضباط في المؤسسة ككل من خلال تحديد مسؤوليات وواجبات العاملين في الإدارة العليا والتنفيذية، بدءا من الوزير والأمين العام إلى المدراء التنفيذيين، وسبل المتابعة الفعالة للإدارات التنفيذية من خلال أنظمة الرقابة الداخلية التي توفر المعلومات لكافة المستويات الإدارية بالشكل الذي يضمن الأداء الأمثل، وإضفاء المصداقية والثقة في التقارير المالية والإدارية، فيما تتمثل أهم مبادئ الحوكمة في سلوكيات عديدة أبرزها الإفصاح والشفافية والمساءلة، من خلال توفير المعلومات المالية وغير المالية الملائمة وجعلها متاحة للناس بالدقة وفي الوقت المناسب، علاوة على نشر التقارير الرقابية وفق أسس ومعايير محددة، إضافة إلى توسيع المشاركة ودفع التنوع،، والفاعلية والكفاءة، والإنصاف والشمولية، و سيادة القانون في صناعة القرار، وأخيراً الرؤية الاستراتيجية بمعنى ضمانة وجود عملية تخطيط قوية تتضمن خطط العمل والميزانيات وخطط التشغيل والتحليل وإعداد التقارير.
فعلى مدى العقد الماضي وحتى الآن، كانت مفاهيم مثل الشباب و المشاركة والتواصل وتنمية الجمهور والمشاركة العامة كلمات رنانة في السياسة الثقافية الوطنية التي تعمل عليها وزارة الثقافة، ولعل السياسة الثقافية يمكن فهمها على أنها عمل متوازن بين الثقافة كخدمة عامة والثقافة كمصدر رزق وعمل، ومع ذلك يتم انتقاد الوزارة بين الفينة والأخرى من قبل الراغبين في المشاركة الثقافية على امتداد جغرافيا الأردن، وتتراوح أسباب ذلك الانتقاد من كون وزارة الثقافة منغلقة إلى حد ما، وتعمل على شرعنة تقييد المشاركة من خلال على جذب نسبة صغيرة من السكان للمشاركة في برامجها ويتم تكرار غالبيتهم كل عام، علاوة إلى كونها لا تولي الجودة الفنية والمساواة في الوصول المفتوح للموارد الثقافية والابتكار المشترك بشكل متساوٍ وعادل في السياسة الثقافية الرسمية.
وتحقيقا للرؤى الملكية السامية الداعية للمشروع الوطني الكبير للتحديث من خلال المسارات التحديث الثلاثة السياسي والاقتصادي والإداري، ونظراً للانعكاسات الإيجابية للحوكمة على تنظيم العمل الإداري وتحقيق التنمية الثقافية المستدامة، فإن تأصيل مفهوم ومبادئ الحوكمة في وزارة الثقافة بات ضرورة ملحة كخطوة أولى في العبور إلى المئوية الثانية، من أجل توسيع دائرة المشاركة العامة، ونشر الرسالة الوطنية للثقافة وتحسين الأداء الوظيفي وتحقيق التنمية الثقافية التي هي ركن أساسي من أركان التنمية الشاملة والمستدامة.
ولعل حَوْكَمة وزارة الثقافة يجب أن يبدأ من رسم خطة التطوير التنظيمي من حيث إعادة تنظيم الوزارة والمديريات الثقافية التابعة لها في المحافظات وفق الأنظمة والقوانين، والتخلص من الازدواجية في أدوار ومهام الوحدات الإدارية، وتعزيز وتوسيع المساواة الثقافية بين الموطنين، إضافة إلى دفع التنمية الثقافية المحلية من خلال تحسين القدرات التشغيلية للمراكز الثقافية في المحافظات، علاوة على رفع مستوى الانتاج والتداول في الصناعات السمعية والبصرية وتحسين استخدام وتطوير التكنولوجيا الثقافية في مختلف الأماكن الثقافية.
أما بخصوص الإفصاح والشفافية والتي تعد إحدى قواعد الحوكمة، فيتطلب ذلك أن تتوجه وزارة الثقافة إلى توظيف موقعها الإلكتروني في هذا الاتجاه من خلال جملة من الإجراءات أبرزها الإعلان عن تفاصيل الاستراتيجيَّة الوطنيَّة للثَّقافة للأعوام (2023 - 2027) وخطَّة العمل التنفيذيَّة والإطار الزَّمني والكُلف الماليَّة التَّقديريَّة المترتِّبة على تنفيذ الأهداف المنبثقة عنها، علاوة نشر الخطط الثقافية السنوية للمديريات المنتشرة في كافة محافظات المملكة، ليتسنى لكافة أفراد المجتمع الحصول على المعرفة بالبرامج وبالتالي توسع دائرة المشاركة، وبيان آليات المشاركة المجتمعية في تنفيذها بإعتبار المشاركة الثقافية حق للجميع، إضافة إلى إنشاء قواعد البيانات المفتوحة التي تعرض أسماء المستفيدين من برامج دعم المشاريع الثقافية، وبيان قيمة الدّعم المالي المقدّم لكل مشروع ثقافي، إضافة الى بيان المشاريع الثقافية التي يتم تمويلها من موازنة مجالس المحافظات وأسماء القائمين على تنفيذها، وتلك التي يتم تمويلها من ميزانية وزارة الثقافة، ونشر بيانات إحصائية عن الدعم المباشر وغير المباشر للجمعيات الثقافية والأفراد سنوياً، وإخيراً بيان الميزانيات المخصصة لمشاريع المدن الثقافية، وغيرها من المشاريع الكبرى , واليات ومعايير اختيار المستفيدين من تنفيذ البرامج والتي تعد أهم مشاريع وزارة الثقافة كون ذات ارتباط بخطة التنمية الشاملة.
اضف تعليقك