طلبة نيوز- بقلم الشاعر سامي الاجرب
عندما يعزف الأدباء سيمفونياتهم .. يتوقف الصخب ..
وإن تكتب عن إنجاز أدبي متميز , فهذا ليس بالشيء اليسير , فأنت في ورطة أكيد .
وأن تجر القلم ولو حرفاً واحداً , عن أعمال الأديب القاص السمحاني , ليس بتلك الأبجديةِ والأريحيةِ المطلقةِ , التي تعطيك الإنسيابيةِ في الغوص ببحر الأدب السمحاني , الشاعر والقاص المحامي موسى سمحان , هو ذو ميزة خاصة في كتابة قصصه الرائعة الممتعة , التي تأخذ القاريء لمناخات وطنية قومية ثورية عقائدية وشعبية عالمية , وينطبق عليه النظرية الفكرية التالية , إزرع فكراً .. تحصد شعباً حياً وقمحاً .
فكل هذه المكونات والمقومات يمزجها لنا القاص بقصص شيقة تذوب في بوتقة واحدة , وهنا ينتج لنا القاص روائعهِ الأدبية الفريدة , وحتى في مفرداتها اللغوية الرقراقةِ السرديةِ الإنسيابيةِ السلسة في عفوية تطال قصصه وشفافية أرواحهم الصافية .
قاصنا الشاعر موسى سمحان المحامي ..
في قصصه تشعر أنه يسعى للدفاع عن حياة الناس وترسيخها في قصص أولئك الطبقة الكادحة من البشرية البسطاء الفقراء , الذين تركوا آثارهم وأعمالهم الخالدة , دون أن يشهدها إلا ذو عين ثاقبة نافذة في نوافذ الحس الإنساني , فمن ملك هذه الروحانيات الحسية الشاعرية , لا شك إنه غاية في قراءآت الوجع الأدمي أينما كان , لهذا فإن قصص السمحاني شمولية عالمية , فالوجع الأدمي يأخذه قاصنا من بئر وجع الإنسان الفلسطيني , كونهُ رمز الأوجاع للإنسانية العالمية . فيقوم قاصنا الأردني المتميز بتأرختهِ للبشرية عامة لينبثق منهُ الضوء والإشعاع للبشرية المعذبة .
ونحن اليوم أمام قصة طويلة جديدة صدرة حديثا للقاص الشاعر موسى سمحان الشيخ
إنها .. مكان يتسع للحب , قصة طويلة روائية بذات الوقت , قدمها قاصنا بإسلوبهِ الشيق الممتع الإنسيابي الواضح والدفين , والقاريئ حينما يدخل بداياتها سيشعر بفلسفة الأدب السمحاني , وسيشعر كأنه يجلس على شاطيء البحر , البحر في حالة السكون , والمتلألأ الساكن كصفح المرآة , , وصوت عازف ناي يأتي من بعيد , تلك هي بدايات روايتهِ السلسةِ .
لا إنفعال فيها , والحراك لا فوضوي , وجليل ووقور , كما هي الحياة في القدس الشريف قبل الإحتلال الإسرائيلي , مدينةٍ مسالمةٍ وادعةٍ جليلةٍ محتشمه بثوبها المطرز القدسي , هي حياتها في كل العصور العربيه , تعيش بكل سلام وأمن وإطمئنان ونبوةٍ , وتلك هي مريم المقدسية الوجه الآخر لمدينة القدس النبوية الهاشمية ,
وإبنتها مريم قد أخذت ذات صفات مدينتها القدس الشريف , بجلالها وقدسيتها ورقتها وحسنها وسلامتها ودعتها وطهرها , هنا كيف قام القاص بترجمة حياة مدينة القدس وجسدها في مريم المقدسية , إنهُ لشيء رائع وجميل وموفق غاية التوفيق . ومن هنا تكمن روعة القاص ونبوغهِ الأدبي الأردني الممزوج بروح مدينة القدس ومريم المقدسية .
مريم المقدسيةِ يتيمةٍ الأب والأم ومقطوعةٍ من شجرةٍ , ورثة عن والديها بيتهما العتيق الواسع الرحب الأنيق , والقدس الشريف يتيمةٍ هي الأخرى من الأب والأم والأهل والأقرباء والخلان والعشيرة والقبيلة , مريم المقدسية وقدسها وجهان لعملة واحدة , معاً يشكلان الزمان والمكان , وقدسية الأقداس , حتى جاء الإحتلال ليقوم في عملية لفصل التوأم , مريم الإنسان من زمانها ومكانها , لتبدأ الفصول الأخرى في الحراك والحيوية والإنفعالات والصخب والضجيج الثوري , والبحث عن طريق ومعالم الصمود والتحدي لبراغيث وقمل جدايل يهود إسرائيل .
هنا كان قاصنا النبيل يقدم لنا نبل الحالة الإنسانية لتلك الصبية مريم إبنت القدس المحتله , وهي تواجه الهمجية اليهودية الصهيونية , بأعصابها المتماسكه المتزنه الصلبة كأسوار القدس التاريخية الصامدة بوجه الريح والإحتلال , ومريم الشابة الجميلة تتحدى أعاصير الإقتلاع والإحتلال الساعي لإفراغ القدس من سكانها وسرقة بيوتهم وجذورهم وتاريخهم وإرثهم الأزلي , فكان بيت مريم المقدسية لجماله وسعته وقدمه التاريخي الغاية والهدف ,
نعم من ملك القوة ملك الشريعة والشرعية , وهذا قاصنا المحامي يرفض هذه النظرية ويحاربها بقصته لإيصالها للشعوب المقهورة بفعل القوة والبطش والتوحش ووحشية القوة , لشعوره بحقوق الإنسان المقدسي بقدسه وبيته ووجوده الأبدي بوطنه ,
فينقل لنا نبذةٍ أو عينةٍ عن أهل القدس المحتلة , والتي كانت القدس الشريف , فتصبح المحتلة المستباحة , وكيف واجه أهل القدس صلف ووحشية الإحتلال في إحتلال البيوت المقدسية التاريخية والسيطرة عليها بشتى السبل والوسائل المالية والخداعية وبفعل هيمنة القوة وإستعمالها , ليدعي المحتل أمام السواح الأجانب , أنها بيوتهم الأثرية ويسكنونها من عصورٍ غابرةٍ , والإيحاء للسواح أنهم من بناها وورثها كابر عن كابر . دون أن يشعر السواح أنها من مسروقات أهل القدس المحتله .
للحقية هذهِ القصة – مكان يتسع للحب – تستحق أن يقرأها الباحثون عن دقائق الحياة القدس الشريف , وأهلها التي ظلمتهم الأيام والأقوام والأمم المتحدة , فكانوا خراف على مذبح الإستعمار والرأسمالية ومصالح الكبار والصغار .
والقاص الشاعر موسى سمحان ..
لقد صدرت لهُ عدة أعمال أدبيةٍ متميزةٍ منها للتعريف من هو هذا الذي نتحدث عنه وعن قصته مكان يتسع للحب , فهناك لهُ مجموعات قصصية وشعرية , أقدمها للقاريء للتذكير بها لمن لا يعرفها ويعرف قاصنا المبدع . وهي خمسة مجموعات قصصيه , الأرض والأطفال , ورجل يريد ان يحيا , وإمرأة في حالة إنتظار , وقد ينتهي الشقاء , ومكان يتسع للحب الخامسة الأخيرة التي عزف فيها بكل إبداع وإحترافية ,
وهناك مجموعاته الشعرية الثلاثة , أمي إذ تعانق ريحها , وتضاريس الجرح النازف , ولم تزل نوافذ المطر تضيء . وهل البقية تأتي ومن يقدمها للرأي العام , هذا هو أديبنا السمحاني الشعبي المخملي ذو الحرف الدافيء ومفراداته الجمليةِ التي آثر أن لا تموت فقام في إحياءها لتلك المفردات الشعبية الخالدة , وفي قصصه عموما وكانت كالبهارات تعطي أدبه تطعم ومذاق ونكهة محببةٍ لمن يعشقون التراث الشعبي العربي الأصيل . وهكذا كان قاصنا يسعى أن يحافظ على لغة الناس العامية من الإندثار لتواجه الغزو الثقافي الغربي . فكان أجمل ما في هذه المجموعات القصصية السمحانية , أن قاصها يعيش مع تلك الأحداث الشعبية وكأنه جزء منها , ولا يكتفي بل ينقل القاريء من وجوده لوجود الآخرين , فيصبح وكأنه إحدى أفرادهم ,
ولا يوجد الكثير في عالمنا العربي من كتاب القصص , من لديه تلك المقدرةِ لنقل القاريء للإندماجية في القصص إلا وكان مبدعا وخلاقا , ولو لم يكن مبدعاً لما إستطاع نقل المطالع القاريء لتلك الحالة الاشعورية لمجريات القصة وكأنه جزء من أفراد القصة يجالسهم ويراقبهم ويدمدم معهم , ويتألم بألمهم ويفرح بفرحهم وينساب في حياتهم ومعاناتهم وحبهم وعشقهم .
حقاً .. إن القصة الطويلة [ الروائية ] مكان يتسع للحب , هي سموفونية القاص الذي عزف فيها أجمل وأحلى ألحانه اللغوية وحكاياته لمريم المقدسية والقدس الشريف التي عبرت عنها مريم بتراجيدية رائعة شفافة , ولهيبتها وشموخها وإتزانها وعشقها لمحبوبها وحبيبتها القدس المحتلة ,
ومن النظريات المستوحات من أحداث رواية مكان يتسع للحب , لابأس من تخليصها في هذه التقدمة لهذهِ الرواية العذبه والثورية والشعبية , نستعرضها .
-,- الشرفاء قاتلوا لنحيا , ونقاتل لتحيا -,- شرفاء أمتنا العربية من يختصرون ظلمتها , ويرسمون دروبها -,- العقل يحيي أمة , اويدمرها -,- من عرف نفسه عرف أمته أين تتجه -,- تزدهر الشرفاء بزمن القحط الوطني -,- للحقيقة الوطنية وجهان الصامت والثائر -,- كتبوا لنقرأ , نكتب ليقرأون -,- السباحة بعشق الوطن , اخطر من السباحة بالمحيط -,- الشرفاء لا يموتون , بل أرواحهم تتلألأ كالنجوم -,- الخون يموتون كالديدان لا يدري بهم الزمان -,- قاتلوا لرسم معالم الطريق , نقاتل لتعبيد الطريق -,- الأغبياء حجارة عثرة أمام السائرون للمجد -,- إهدم جبل أهون أن تقنع مغفل -,- القدس باب السماء , فلا دخول للجنة قبل كنس ذباب اليهود عن بابها -,- إزرع فكراً , تحصد شعباً حياً وقمحاً -,- للزمن دورات , ولا يحرك الزمن إلا الرواد الكتاب -,- من قال إن الله معنا الأغبياء , الله مع العلماء من خدم الفقراء -,- من قال أن أمة العرب أصوات , هم العملاء -,- أمة العرب أمة العظماء , لكنهم نيام -,- عندما تستفيق أمة العرب أصحاب الإسلام , يعم السلام العالمي -,- القدس آخر عاصمةٍ لإمبراطوريةٍ عالميةٍ , ليبدأ الإنحدار البشري بعد إنهيارها -,- تنهض الشعوب برجالها , لا بمالها -,- من لا يؤمن بنفسه ووطنيته وقوميته , لا يؤمن بعقيدته -,- من أراد أن يكون أديباً , عليهِ أن يكون إنسان شفافاً -,- الإسلام جاء للعالمين , للعالم العربي أولاً , وللعالم ثانياً , وللإنسان أولاً , وللجان ثانيا .
نقد في رواية مكان يتسع للحب .. الشاعر :- سامي الاجرب
اضف تعليقك