TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
عربات طائرة وهواتف محمولة
20/11/2014 - 1:30am

طلبة نيوز- أ.د. صلاح جرّار

 
 
عندما يتضاعف عدد المركبات في أيّ بلدٍ أضعافاً فإنّ ذلك يعني زيادةً في الإنتاج والدخل؛ لأنّ وجود المركبة يعني اختصار المسافات بين الناس وسرعة التواصل وتوفير الوقت، ومن دونها يحتاج أبناء المجتمع إلى إضاعة وقت كثير في الوصول إلى أعمالهم ويؤدي إلى استنزاف قدر كبير من جهودهم وتقليل فرص التواصل المباشر بينهم، ولذلك فإنّ من المنطقي تبعاً لذلك أن تترجم زيادة عدد المركبات إلى اقتصاد في الوقت وزيادة في التواصل والإنتاج.
وإذا ما نظرنا في شوارع المدن الأردنيّة، ولا سيّما عمّان وإربد والزرقاء، وتأمّلنا هذا السيل الذي لا يتوقف ليلاً ولا نهاراً من حركة المركبات، فإنّنا نتوقّع أن ينعكس ذلك على حجم الإنتاجيّة في الاقتصاد. والذي يتأمل التزاحم والتسابق الذي يمارسه السائقون في شوارع هذه المدن يتوقّع أن يكون ذلك تسابقاً على إنجاز الأعمال ومضاعفة الإنتاج.
ومن جهة ثانية فإنّ استخدام الهواتف المحمولة يوفّر على الناس الكثير من الوقت والمال والجهد، فبدلاً من أن يذهب الشخص بنفسه إلى مكان قد يبعد عنه عشرات الأميال قد يكلّفه إضاعة ساعتين أو أكثر ومبلغاً من المال ثمناً لوقود سيارته من أجل تفاهم بسيط أو لقاء محدود، فإنه أصبح بإمكانه أن يحقّق ذلك من خلال اتّصالٍ هاتفي عبر هاتفه المحمول فيوفر على نفسه ما كان يمكن أن يضيعه من الوقت والجهد والمال فيتحوّل ذلك كلّه إلى فرصة لزيادة العمل والإنتاج. ولذلك فإننا عندما نشاهد أعداداً كبيرة من الناس تضع الهواتف المحمولة على آذانها فإننا نتوقع أن ينتج عن ذلك كثير من الإنجاز والأعمال والإيرادات.
فإذا كانت حركة السير تنبئ عن زيادة في الإنتاج، وإذا كان التسابق في الشوارع ينبئ عن مزيد من هذا الإنتاج، وإذا كان استخدام الهاتف النقال فرصة لتحويل الوقت والمال والجهد إلى إنتاج، فكيف إذا اجتمعت هذه الثلاثة معاً: مركبةٌ تسير في الشوارع وتسابق غيرها من المركبات وسائقها يتحدث بالهاتف المحمول، وهي الظاهرة التي تعجّ بها شوارعنا بشكل لافت، أليس من المنطق أن نتوقّع أن يكون ذلك مؤدّياً إلى ناتج اقتصادي لا نظير له بحيث ينهال الخير على الوطن مثل (مزاريب الشتاء)؟! لكنّ ما يحدث في الواقع هو خلاف هذا التوقّع تماماً، فبينما تزداد أعداد المركبات في شوارعنا بشكل مفزع، وبينما يزداد تسابق السائقين في شوارعنا بشكل خطير، وبينما يزداد استخدام المواطنين لاقتناء أجهزة الهواتف المحمولة واستعمالها سواءً وهم يقودون سياراتهم أو في أي مكان، نجد زيادة ملموسة في المديونية وزيادة في البطالة ومزيداً من هدر المال والمحروقات والوقت دون أي جدوى.
والسبب في ذلك أنّ أكثر حركة المركبات في الشوارع وأكثر استعمال الأجهزة المحمولة هو ضربٌ من العبث وإضاعة الوقت ولا صلة له بإنتاج أو غيره، فهما وسيلتان للثرثرة والتسلية، ولولا ذلك لتحوّلت كلّ ثانية من وقتنا وكلّ كلمة نتكلّمها وكلّ حركة سيّارة في شوارعنا إلى عملة صعبة نزيد بها إنتاجنا واقتصادنا واعتمادنا على إمكانياتنا الذاتية، ولكن ما يجري هو هدرٌ للوقود وللوقت والجهد وتبديد للمال ثمناً لفواتير المكالمات الهاتفية والوقود الذي تستهلكه المركبات.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)