TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
علماؤنا والتأجيج الطائفي"3"
18/11/2015 - 3:00am

طلبة نيوز-الأستاذ الدكتور محمد عيسى الشريفين

"قَالَ خَلَفُ بْنُ الْمُثَنَّى : كَانَ يَجْتَمِعُ بِالْبَصْرَةِ عَشَرَةٌ فِي مَجْلِسٍ لا يُعْرَفُ مِثْلُهُمْ فِي تَضَادِّ أَدْيَانِهِمْ وَنِحَلِهِمْ : الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ سُنِّيٌّ ، وَالسَّيِّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحِمْيَرِيُّ رَافِضِيٌّ ، وَصَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ ثَنَوِيٌّ ، وَسُفْيَانُ بْنُ مُجَاشِعٍ صُفْرِيٌّ ، وَبَشَّارُ بْنُ بُرْدٍ خَلِيعٌ مَاجِنٌ ، وَحَمَّادٌ عَجْرَدٍ زِنْدِيقٌ ، وَابْنُ رَأْسِ الْجَالُوتِ يَهُودِيٌّ ، وَابْنُ نَطِيرَا مُتَكَلِّمُ النَّصَارَى ، وَعَمْرُو بْنُ أُخْتِ الْمُؤَيِّدِ الْمَجُوسِيِّ ، وَرَوْحُ بْنُ سِنَانٍ الْحَرَّانِيُّ صَابِئِيٌّ ، فَيَتَنَاشَدَ الْجَمَاعَةُ أَشْعَارًا" الذهبي: تاريخ الاسلام.

سأتحدث في هذا المقال في محطات مكملة للمحطات التي تحدثت فيها في المقالين السابقين، والهدف من هذا المقال التأكيد على ضرورة العيش المشترك بالرغم من وجود الاختلاف، والتأكيد على ان ما نعيشه من صراع طاحن لا يستند إلا إلى الثقافة والعادات والتقاليد، كما أنه صراع مبتني ومؤسس على السياسة، ويستوي في ذلك جميع الأطراف لا فضل لواحد منهم على أخيه، وهم سيان في هذا الانحطاط والتخلف، والمحطات التي سأتحدث فيها:

المحطة الأولى: المقصود من علمائنا هم: علماء جميع المذاهب والطوائف؛ إذ من الخطأ الفادح أن يوجه اللوم لعلماء طائفة دون أخرى، حيث وقع معظم علماء الطوائف في مستنقع التأجيج الطائفي، ووصل بأتباع الطوائف أن يجعل الواحد منهم طائفته هي الناجية، وأنها الأحرى بتمثيل الله، وهذا موروث ديني وقع فيه من سبقنا، وقد ذمه القرآن الكريم حيث قال تعالى:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)، وقال تعالى -ردا على هذا الفكر المنحرف-:( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نقيرا). هذا الفكر الشوفيني الأنوي كان مؤداه شيطنة الآخر والدعوة إلى تصفيته.

         ألا توافقني الرأي أيها القارئ الكريم أن كل عرق من أعراق المسلمين، وكل مذهب، وكل طائفة يجتهد كل الاجتهاد في ان يثبت انه الأفضل والأحرى بتمثيل هذا الدين، ثم تراه يتجاوز ذلك حيث يذهب الى ان الله خلق الدنيا من أجل عرقه او مذهبه او طائفته، إنها العصبية التي طمست البصائر؛ حتى جعلت الواحد منا او المذهب او الطائفة يختال على خلق الله تعالى، ويتعالى على بني جنسه، لقد وصل الكثير الى الاعتقاد أن العادات والتقاليد وما جاء في مذهبه وما قررت طائفته هي القوانين الطبيعية التي يــُسيّر الله الكون وفقها.

 كثيراً ما أشعر بخيبة الأمل عندما أفكر في حال المسلمين وتشرذمهم، ويحدوني الأمل في الوحدة، ويمنعني ويحجب الأمل عندي تلك النفوس التي انضمت إلى هذا الدين العظيم لكنها لم تنل حظها من التربية فبقيت لوثاتها تتحكم في سلوكها.

المحطة الثانية:التغول، والتغول مأخوذ من الغول وهو كائن خرافي، وقد كانت الأمهات قبل عصر التكنلوجيا يخوفن أبنائهن بالغولة، وذلك في خطوة لإجبار الأبناء للذهاب للنوم مبكرين، أو للكف عن سلوك او فعله، وهي طريقة مجافية للشرع وللعقل وللمنطق في إلزام الآخر.

        عندما كبرنا وجدنا ان هذا السلوك يمارس ولكن بصيغة أخرى وبمنطق مشابه، واقصد بالتغول هنا أنه وأثناء الحوار يلجأ عديموا الحجة وصغار الأحلام الى إلزام الآخر بطريقة تجانب الشرع والعقل والمنطق، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يمكن إحصاؤها، وذلك لانتمائها الى الطرق الملتوية ومعلوم ان الطرق غير المشروعة كثرة كاثرة مقابل الصراط السوي الذي عنوانه صفاء السريرة ونشد الحق.

 مثال ذلك عندما يقول قائل:أرى انه لا يثبت حديث صحيح في قتل المرتد غير المحارب، يأتي الآخر وبعد عجزه عن مجارات الأول ليسلك طريق التغول، فتراه يقول مدعيا على أخيه: إنك تنكر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتراه يشيع ذلك بين الناس بالرغم من أنك توضح له قائلاً: أن ثمة فرق بين الدعوى بعدم ثبوت حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الميدان، وبين إنكار سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا انه يمضي في اشاعته لا حبا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل سعيا في إسقاط الآخر المصيب والتشويش عليه، ولو اتبع او أراد أمثال هؤلاء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما فعلوا ذلك.

مثال آخر:يأتي احدهم لمحاضرة لفاضل نقي السريرة، فينتقي مقطعا يجاري هواه، ثم يبث هذا المقطع بين الناس ويعنون له بقوله: انظروا ماذا يقول هذا الزنديق هذا....ويصفه بأقبح الأوصاف، وينضاف  الى ذلك انه يقدم نفسه بالحريص على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقدم نفسه بأنه الناصر لدين الله ولأهل السنة والجماعة، ومعلوم هنا وجه التغول حيث إن كثيراً من الناس يكتفي بالعنوان ويشيع ذلك.

هذا غيض من فيض وأنا أخاطب الذين يسلكون هذا المسلك: أن يكفوا وأن ينتهوا عن ذلك لأن ذلك من خوارم الدين، وليعلم هؤلاء انه لن ينفعهم العنوان الذي ينطلقون منه ولا الراية التي يفيئون اليها قال الله تعالى:(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره)

المحطة الثالثة: التقارب والحوار.

هل تعنى الدعوة الى التقارب والحوار ان نعتقد ان الاخر على حق او ان نؤمن بما يؤمن به؟

الجواب: لا يعني بحال من الأحوال ذلك، وأرى أن مفهوم الولاء والبراء من المفاهيم التي تم التلاعب بها ومعايرتها لخدمة المذهبية والطائفية، والمتتبع المتمعن، منعم النظر في كتاب الله وفي سلوك المصطفى صلى الله عليه وسلم يدرك الفرق بين الولاء والبراء وبين التعايش مع الآخر والإحسان اليه بل وحب الخير له.

وهنا أشير الى الخلط الكبير الحاصل بسبب عرقنة او قطرنة او مذهبة الدين، حيث يعمم البعض تجربة عاشها هو او عاشها مذهبه او قطره او طائفته او عرقه؛ ليشتق من هذه المحنة أحكاما يعممها على الجميع ويلزم البشرية بقبولها.

         ونحن مع تضامننا مع أصحاب المحن وعدم قبولنا بأي شكل من الأشكال او تحت اي ظرف من الظروف، إلا أن هذه المحن ما كانت ولن تكون مصدرا من مصادر التشريع.

 وهنا أحذر مما يسمى بالفتاوى السياسية حيث تجنح بعض الأحزاب او المذاهب او الطوائف لإلزام اتباعها بآراء سياسية مغطاة بالحكم الشرعي مثال ذلك: ان يفتي حزب سياسي بوجوب الانتخاب وحرمة المقاطعة في انتخابات نيابية، ثم في الدورة التي تليها يفتي نفس الحزب بوجوب المقاطعة وحرمة المشاركة، وإذا ما سأل حائر قيل له إن هذه فتوى سياسية، أو ان يقوم أحد المنتمين لحزب معين بإخراج كتاب بعنوان يشتمل على شرعنة أفعال ذلك الحزب.

وخطورة مثل هذه الأفعال لا تخفى على ذي لب حيث تسهم في الباس الدين على الناس، وهذا من قبيل الباس الحق بالباطل،وأنصح هنا بأن نمارس السياسة بقوانينها.

وخلاصة القول هنا: أن المقصود من الحوار والتقارب يتمثل بالسؤال التالي: كيف يمكننا ان نعيش في مكان واحد بالرغم من اختلافاتنا؟ هل يمكننا ايجاد وسائل اخرى للتفاهم غير طرائق الصراع؟ هل يجب علي كمسلم ان اصفي مخالفي؟ هل كان هدي القرآن يدعو لتصفية الاخر المخالف؟أسأل الله تعالى أن يكون غاية سعينا اليه وان يهدينا سواء السبيل.

 

‏‫

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)