TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
"على الحُرُكْرُكْ"
14/04/2019 - 11:45am

بقلم: المهندس عامر عليوي/جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
هاتفت أحد الزملاء مطمئنا عن أموره وأحواله، وداعيا إياه لاحتساء قهوة الصباح معا، فجاوبني متشائما بعبارة شاملة ومعبرة "كله على الحُرُكْرُكْ"، وللأمانة أنني لأول مرة أسمعها ولم اعرف معناها قبل اليوم!!!!!، الامر الذي دفعني للبحث عن معناها، فتبين لي أنها تستخدم للدلالة على إدراك الأشياء في آخر فرصتها أو بالكاد يكون (كل شيء تلحيق بتلحيق). تأملت أحوالنا فوجدت بالفعل أن حياتنا كلها تقريبا على الحُرُكْرُكْ، جلست وحدي وارتشفت فنجان قهوتي بمرارها وحلوها، متأملا بمقولة نجيب محفوظ: "الأيام تسير في دائرتها المفرغة غير عابئة بما تحمل للناس من مسرات وأهوال لا اختلاف في هذا بين يوم التطير أو يوم التفاؤل".
الحُرُكْرُكْ: بضم الحاء والرّائين، هي كلمة مُشتقة من لفظ "الحارك" وهو منبت أدنى العرف إلى الظهر الذي يأخذ به الفارس إذا ركب الفرس، والواقع أنه إذا ركب الفارس على آخر ظهر الدابة قيل إنه راكب على الحارك أو على الحُرُكْرُكْ، وبالتالي إذا تحرك الراكب منه إلى الأمام لم يستقم له الركوب ولم يستقم للدابة السير الصحيح....هكذا هو واقعنا اليوم، رواتبنا على الحُرُكْرُكْ، اقتصادنا متماسك على الحُرُكْرُكْ، موازنة الدولة على الحُرُكْرُكْ، احلامنا على الحُرُكْرُكْ، استعداد الطلبة للامتحانات في الجامعات والمدارس على الحُرُكْرُكْ، أخلاقنا في تعاملنا مع بعضنا البعض في كافة المواقف على الحُرُكْرُكْ، التزامنا بالمواعيد في حال عدم الوفاء بها يكون على الحُرُكْرُكْ، إنشاء الطرق والانفاق والجسور على الحُرُكْرُكْ، الإجراءات الحكومية في تنفيذ المشاريع التنموية والخدماتية على الحُرُكْرُكْ، مستوى التعليم بشقيه العام والعالي على الحُرُكْرُكْ، الاستعداد للموسم المطري على الحُرُكْرُكْ، الخدمات الصحية على الحُرُكْرُكْ، أنظر حولك ستجد أن كل شيء على الحُرُكْرُكْ.
إن إصابتنا بداء متلازمة "الحُرُكْرُكْ" هو نتيجة سياسة الأداء الإداري المرتعش، والقرارات المتذبذبة، والتفاؤل، وسوء التقدير، وسياسة التسويف، وعدم الاستفادة من دروس الماضي، والإصرار على تكرار نفس الأخطاء في كل مرة، وكثرت التبريرات، وغياب الأولويات، فألفنا هذا المنهج وأصبح "الحُرُكْرُكْ" هو السلوك الطبيعي في تعاملنا مع كافة الأمور والذي تعداه ليكون نهجا في إدارة الدولة الأردنية، حكومات، ومؤسسات، وجامعات، وغيرها الكثير أصبحت تعيش حالة من البطء والتباطؤ في أدائها، وتتحرك على الحُرُكْرُكْ، فما عادة العناوين الرنانة وتغيير اللافتات تبهر المواطنين، فلا ابتكار جديد في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة وغيرها، هي مجرد حكومات ومؤسسات وهيئات تيبست عن الاتيان بالتغيير المنشود أو احداث النهضة الشمولية المطلوبة، وعجزت عن تلبية تطلعات المجتمع الاجتماعية والخدماتية والتعليمية والصحية ومواجهة التحديات الاقتصادية، الامر الذي أدى الى نشوء وظهور حالة استثنائية يطلق عليها في علم الرياضيات مصطلح "حافة الكيوس"Edge of Chaos، ويطلق عليها البعض اسم "حافة الفوضى"، وتأتي هذه الحالة أيضا عند إحساس افراد المجتمع بالفرق المتزايد بين ما يتطلع اليه اغلبيتهم من رفاه وما هو متحقق فعلا على ارض الواقع، فعندما يتجاوز الفرق بين المنشود والمتحقق حد معين حينها يصعب على افراد المجتمع تحمله وعندها يبدؤون بالنقد والتذمر والتشكيك بكل شيء والخروج على القانون في تحدي واضح لمؤسسات الدولة بكافة اشكالها، وهكذا تزيد كمية الفوضى في المجتمع وتتجاوز حدودها المعتادة.
ولنتذكر أن خياراتنا تحدِّد لحظة بلحظة الحياة التي نعيشها.
#الحُرُكْرُكْ

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)