صديقي العزيز أعتذر منك , فقد قررت الذهاب إلى غزة ...وأنت عليك البقاء هنا كي تكمل متابعة فعاليات كأس العالم , وأظنك يا صديقي ستجد شريكا جيدا لك في (الطرنيب) غيري ....أنا ذاهب لغزة , وسأدخل عبر معبر(كرم أبو سالم) ,كرم أم سالم ليس مهما المهم أني سأدخل غزة .
هل تعرف أني سأكون مدللا هناك , وستطاردني الكاميرات , ووكالات الأنباء وربما سيجري ثامر المسحال لقاء معي , سينصبون لي خيمة عليها شعار الأمم المتحدة , وسيكون لدي (بابور) ...وستجد في الخيمة الكثير من المعلبات , والعدس المجروش ...ومخدة بيضاء , عليها أيضا شعار الأمم المتحدة ...
أريد أن اذهب هناك لأن شعب غزة شعب نقي , ففي كل حروب العالم يوجد شيء أسمه  (اللجوء) وهو النتاج الطبيعي لأي حرب...أنظر يا صديقي إلى الحرب في سوريا , فقد كان من نتيجتها عملية لجوء هائلة , راقب الحرب في العراق ..هناك الألوف من اللاجئين العراقيين  داخل كردستان ...وأنا لا أتحدث عن منطقتنا فقط فاللجوء شيء تاريخي .. وإذا قرأت عن الحرب العالمية الأولى والثانية فستعرف كيف توزع البشر من كل الشعوب الأوروبية بين الملاجئ والخيام وشردوا عن أوطانهم , من المستحيل أن تجد حربا في العالم دون عملية لجوء ...
غزة هي الوطن الوحيد الذي كسر قواعد الحرب , في التاريخ كله ..كونها البلد الوحيد الذي تشن عليه حربا شعواء مدمرة ..ولكن بدون لجوء , فمن الشمال والشرق كل شيء مغلق ..كون جيش الإحتلال يحيط بغزة , ومن الغرب يوجد البحر ..وفي البحر ياصديقي لا تستطيع أن تبني مخيمات , وفي الجنوب توجد مصر والمعابر مغلقة ...ناهيك عن أن أهلنا في غزة يموتون على أرضهم ...حتى اللجوء ممنوع على أهل غزة , لهذا سجلت غزة سابقة في التاريخ وهي أنهم شعب محاصر وتشن عليه حرب وكل معابره مغلقة , وممنوع عليهم اللجوء ..
هل عرفت يا صديقي لماذا أريد أن أذهب إلى غزة , حتى أكون اللاجئ الوحيد لديهم ... ولينصبوا لي خيمة , في أطراف دير البلح أو خان يونس .... وأنا سأرضى بقدري ... وسأرضى أن يزورني ثامر المسحال , وينقل تقريرا عن خيمتي وصبري وصمودي ...
أهل غزة ...وبغض النظر عن كل ما يحدث يجعلونك تتذكر مظفر النواب حين قال :- (أمة لو صبت جهنم فوق رأسها واقفة) ...وهناك نار جهنم تصب فوق الرؤس ولكنهم ...لم يركعوا ولم يخفضوا الرأس ..غزة تجعلك تؤمن أن العروبة شرف , وأن هذه الأمة خلقت للصبر والصمود ...
شعب محرم عليه اللجوء , محشور في مربع جغرافي صغير لا يكاد يرى على الخارطة ..شعب يصنع من (المواسير) التي تستعمل في تمديدات المياه صواريخا ويدك فيها تل أبيب , شعب يستقبل الشهداء بالزغاريد ...والأهم أنه شعب في كل حرب يهزم إسرائيل ....أنا لست غاضبا , بالعكس هؤلاء الناس علمونا أن العروبة شرف وبسالة , علمونا ...أن فلسطين قضية حية لن تنسى ..وأنا من حقي أن أحتفل بهم ...ولا أتباكى عليهم....

(أمة لو صبت جهنم فوق راسها واقفة) ....

يا صديقي قلت لك أنا ذاهب إلى غزة ..وأنت أكمل متابعة كأس العالم , على الأقل في غزة هناك كأس للعروبة , وكأس للشهادة , وكأس للحياة ...