TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
في مأزق التزود بالطاقة
12/01/2016 - 5:15am

طلبة نيوز

في مأزق أمن التزود بالطاقة

الأستاذ الدكتور سائد دبابنة

يمكننا تعريف أمن التزود بالطاقة، وبتعبيرات بسيطة، على أنه القدرة على تلبية احتياجات المجتمع منها، من حيث الكميات والأنواع، وفي جميع الأوقات، وبأسعار مناسبة، من دون تأثير غير مقبول على الإقتصاد والبيئة.
تدخل الدول في مأزق أمن التزود بالطاقة نتيجة لمتغيرات مختلفة، مما يقحمها في مأزق مرتبط بالمفهوم الأشمل للأمن المجتمعي والوطني، علاوة على الإرتباط العضوي بين أمن الطاقة وحاجات التنمية. قد تسعى الدولة إلى توفير مصادر إضافية للطاقة نتيجة النمو السكاني أو الصناعي الطبيعي، بينما تعاني دول أخرى من أجل توفير بدائل لمصادر طاقة اعتمدت عليها سابقاً، ولم تعد متيسرة، إما بسبب ظروف جيوسياسية، كحال الأردن بعد غزو العراق، أو ظروف طارئة داخلية، كحال اليابان بعد فوكوشيما، أو لمتغيرات سياسية داخلية مرتبطة بأحداث خارجية، كحال ألمانيا بعد فوكوشيما كذلك.
سأعود لتفحص وضعنا الأردني بعد أن أعرج، في عجالة، لإلقاء نظرة على ما يجري في اليابان وألمانيا، لأجل العبرة. فاليابان تعتبر خامس أكبر مستهلك للطاقة في العالم رغم محدودية مواردها، وهي تستورد جل حاجتها من الوقود الأحفوري، مما جعل أمن التزود بالطاقة أحد أهم أولويات صانع القرار الياباني، خاصة بعد الأثر الكبير على الإقتصاد الياباني الذي خلفته أزمتي الطاقة في السبعينيات (1973 و 1979)، مما دفع اليابان لزيادة كفاءة الطاقة وتقليل الإعتماد على النفط. حققت اليابان نجاحاً باهراً في سياستها المنهجية الواضحة المعالم والصارمة، مما وضعها على رأس قائمة الدول من حيث كفاءة الطاقة، وانخفضت النسبة التي يحتلها النفط من 72% عام 1979 إلى 40% عام 2010، أي قبيل حادث فوكوشيما. عاشت الدولة اليابانية واقتصادها ومجتمعها حالة صدمة جديدة بعد الحادث النووي، أعادت إشكالية سياسة وأمن التزود بالطاقة إلى واجهة الإهتمام. يراقب العالم ما يجري الآن في اليابان، خاصة التجاذب الحاد بين المجتمع الذي أصبح بمعظمه معارضاً للطاقة النووية، وبين الشركات الضخمة ونفوذها المالي والسياسي المؤيد للطاقة النووية. تلعب دراسات إعادة تقويم الجدوى للخيارات المختلفة دوراً هاماً في هذا السجال. إن الخبرة السابقة لليابان في إدارة مأزق أمن التزود بالطاقة تؤهلها حتماً، وفي نهاية المطاف، للخروج بسياسة جديدة تضع المصلحة الوطنية اليابانية العليا فوق أي اعتبار.
أما ألمانيا التي حددت خياراتها بقرار سياسي وإجماع شعبي، تبلور قبل فوكوشيما، وأخذ زخماً إضافياً قوياً جارفاً بعدها، فقد تحولت إلى مختبر ضخم لدراسات الطاقة وتطوير تقاناتها وكفاءتها، يراقبه العالم كذلك باهتمام شديد، خاصة لما عرف تاريخياً عن المجتمع العلمي الألماني من قدرة مميزة على الإنجاز تحت ضغط الحاجة، للحفاظ على مستوى تنافسية الصناعة الألمانية عالمياً، وعلى مستوى معيشة الفرد في المجتمع.
أخيراً فأين نقف نحن من كل ذلك؟ وضعنا استراتيجية للطاقة على عجل، وخرقناها ولم نلتزم بها كذلك على عجل! ساد التخطيط لسياسات الطاقة وأمنها الإرتجال، وتغول جهة واحدة، رغم تخبطها، على كل الخيارات الأخرى، ولفترة طويلة. تعمل اليابان وألمانيا على وضع سياسة طاقة جديدة، وتطوير تقاناتها، لتخدم البلاد، في حين نضع نحن البلد، ونقامر بمستقبلها، من أجل خدمة سياسة غير مدروسة! علينا فوراً العودة لوضع كافة مصادر الطاقة "دون استثناء" على طاولة البحث، وإقرار سياسة وطتية علمية واضحة المعالم، والإلتزام بها وتطبيقها، بعيداً عن صراعات المصالح والأشخاص والفئات.
saed@dababneh.com
www.dababneh.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)