TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
قطة مجلس النواب
18/03/2015 - 4:00am

طلبة نيوز- د.رحيل محمد غرايبة

حظيت أخبار القطة التي تم إخراجها من مجلس النواب الأردني عنوة  على يد أحد الموظفين بطريقة فظة، بحيز وافر من اهتمام القراء، وانتشرت هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بالتعليقات الساخرة، ومما زاد من سخونة الحدث أنه تم العثور على جثة القطة المغدورة بمكان قريب من المجلس، مما أثار حفيظة جمعيات الرفق بالحيوان، كما أثار عواطف عدد كبير من أصدقاء القطط على الصعيد المحلي والعالمي.
من الأحداث المشابهة التي حظيت باهتمام إعلامي واسع قبل ايام قليلة؛ تلك المتعلقة بحادثة تعذيب «الكلب» على أيدي بعض المراهقين في مصر، مما أدى إلى موت «الكلب» مما أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات التي تعبر عن تعاطف أصحاب المشاعر الرقيقة من المثقفين وجمعيات الرفق بالحيوان مرة أخرى، وقد جذبت هذه الحادثة اهتمام القضاء المصري، حيث تم رفع شكوى بهذا الخصوص، وصدرت أحكام قضائية بحق هؤلاء المعتدين على هذا الحيوان الأليف، ومما زاد الحكم قسوة أنهم كانوا سبباً في تشويه سمعة مصر أمام الرأي العام العالمي.
في الوقت نفسه قرأت خبراً آخر لم يحظ باهتمام القراء، ولم ينل مساحة مناسبة في تعليقات أصحاب الضمائر الحية والمشاعر النبيلة، حيث يقول الخبر: « أصدرت محكمة جنايات الجيزة أمس أحكاماً بالإعدام بحق (14) من قيادات جماعة الإخوان المسلمين  في مصر، بينهم المرشد العام محمد بديع، بعد أن أدانتهم المحكمة بمواجهة الدولة بالقوة، وقررت المحكمة برئاسة المستشار محمد ناجي شحاته إحالة أوراق (14) متهماً من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان إلى فضيلة المفتي لاستطلاع الرأي الشرعي بشأنهم، ويقول الخبر أن الأحكام شملت أيضاً محمود غزلان الناطق الإعلامي باسم الجماعة، وسعد الحسيني محافظ محافظة كفر الشيخ سابقاً، و البرفسور صلاح سلطان، وحسام أبو بكر أحد أعضاء مكتب الإرشاد....
الغريب في الموضوع أن الإساءة إلى قطة مجلس النواب ومعاملتها بشيء من القسوة والبشاعة، أو الاساءة الى كلب أليف؛ أصبح حدثا أكثر إثارة لمشاعر القوم من خبر الحكم بالإعدام على قيادة جماعة سلمية سياسية مصرية تعمل على الأرض المصرية منذ تسعين عاماً، واستطاعت قبل مدة وجيزة أن تفوز بتأييد الشعب المصري عبر خمس انتخابات واستفتاءات عامة جرت خلال عام بعد ثورة الشعب المصري، منها انتخابات الرئاسة، وانتخابات مجلس الشعب، وانتخابات مجلس الشورى، والاستفتاء على الدستور، وقبل ذلك الاستفتاء على تعديل الدستور بعد تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكانت النتيجة فيها جميعاً تؤشر على حصول الإخوان على المرتبة الأولى، وخلال مدة قصيرة تنقلب الأمور ليصبح خبر إصدار أحكام الإعدام بالجملة وبطريقة هزلية على مجموعة سياسية سلمية علنية منخرطة بالعملية السياسية المصرية؛ أحد المحكوم عليهم يعد واحداً من مائة عالم في تخصصه على مستوى العالم كله، خبراً أقل اهتماماً لدى العامة من الإساءة إلى حيوان أليف.
لست بصدد الحديث عن اجتهادات صائبة أو مخطئة من قبل إدارة دولة منتخبة، ولكن مقصد الحديث ينصب حول الحالة الذهنية التي تسود الشعوب العربية في هذه الحقبة الزمنية الرديئة التي تجعل شرائح من البشر على نطاق واسع يصابون بهذا الانفصام الهائل بالشخصية، والوقوف كذلك على مقدار الأثر الذي تصنعه الآلة الإعلامية بالإنسان عقلاً وعاطفة ووجداناً، وتحويله إلى كائن آخر في منتهى الغرابة والتناقض.
وفي ختام المطاف يثور تساؤل كبير حول حدود النهاية لهذا الهبوط المتسارع لمنظومة القيم التي تضبط سلوكات البشر في هذه المنطقة إن وجدت، وهل ما زال هناك دركات سفلى أكثر انحداراً في قعر البئر الذي نهوي إليه؟

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)