أ.د. محمد القضاة 
حين كتب معروف الرصافي قصيدته: لا يَخدعَنكَ هُتاف القومِ بالوَطَنِ، فالقومُ في السرِّ غير القومِ في العَلَن، قلت: كم كان صادقاً في قوله، وكم شاهد في حياته من تجارب وإيقاعات تتغير كسرعة البرق، وما احوجنا ان نكتب ما نرى ونشاهد ونعاين في صحائف الناس اليومية، وهم يوهمون غيرهم من انهم أكثر حرصاً عليهم، وتراهم يتحدثون بلغة الحرص والخوف على المسؤول والمؤسسة والممتلكات والقرارات والمسؤولية العالية! وهم يخالفون هذه القناعات حين تتعارض مع مصالحهم، وبالأمس القريب شاهدت مسرحية "نهر الجنون" لتوفيق الحكيم، وهي من مسرحيات الواقع اليومي المعيش، كان ابطالها يتحاورن في العَلَن؛وبعضهم يدركون جنون تلك الأفكار وبعضهم الاخر في جنون، وابطال اليوم يتهامسون فيما بينهم، ينتقدون الصغير والكبير، ويتمنون الفشل لأي ناجح أو مسؤول، وحواراتهم تنتهي دائما بتلك اللازمة: "متى يسقطون أمامهم"، وبين هؤلاء يقدم بعض الدهاقنة النصيحة تلو الاخرى لمن حولهم، وهم يمارسون الأخطاء في السر والعلن، ولا هدف لهم غير الحفاظ على منافعهم، اقول بلغة لا تعرف المواربة: الصدق في هذا الزمن كالقابض على الجمر، وحقوق العباد ليست سوقا في المزاد، وعلى المرء ان يكون صادقا في كلامه وحديثه، ولا يلصق بالآخرين نميمته وضعفه وقلة حيلته، لا يتملق ولا يداهن ولا يكذب ولا يتأمر ولا يبدي غير ما يضمر، وتعالوا معي لنقرأ العبرة من مسرحية الحكيم "نهر الجنون" لكي يدرك هؤلاء ما يقارفونه بحقوق البلاد والعباد، وهم يعرفون ان لكل بداية نهاية، وان الكرسي سيصير الى زوال، والعبرة ان الخيار صعب امام هؤلاء الذين تتلون وجوههم وتتبدل جلودهم ولا يثبتون على موقف؛ خاصة حـــين " تكون انت على حق وتنفرد بقناعة سليمة او بفطرة نقية، وتجد كل ما حولك قد اصابهم الغش والخداع والنصب والكذب، وتصبح هذه القيم السائدة في المجتمع، وكل من يخالفها يتعرض للسخرية والنقد ويصبح هو المجنون! هنا يأتي الاختيار: هل تخضع لهذا الجنون المنتشر وتشرب من النهر، أم تتمسك بعقلك او مبادئك ولا تقرب نهر الجنون؟" هذه العبرة يجب ان تبقى امام الجميع مهما تغيرت إيقاعات الزمن كما قال الشاعر: لا يَغرنك قول القوم في العلنِ، فالقومُ في السرِّ غير القومِ في العَلَن.
mohamadq2002@yahoo.com