TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
لحكومة الأردنية وهوس كاميرات الرقابة
29/04/2015 - 3:30pm

طلبة نيوز-

*الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

هوس الحكومة الأردنية والدوائر الأمنية ودوائر السير ومراقبة المرور بتركيب الكاميرات الرقمية المتطورة في كل مكان وزاوية ومختبر ومنعطف أصبح ظاهرة تستحق الانتباه والدراسة لما لها من تبعات وارتدادات على حرية الأفراد وخصوصياتهم. ملفت للنظر هذا الولع والشغف الأردني بتركيب الكاميرات في مدن المملكة وطرقها وها هو يمتد ليصل إلى جامعاتنا ومعاهدنا التي ربما هي بقيت الملاذ الوحيد للحريات والتفكير الحر . يذكرني هذا الانتشار السريع للكاميرات ،التي أصبحت تزرع في كل مكان من الأسواق التجارية إلى المولات والى الساحات العامة والى معاهد التعليم العالي، يذكرني بما كتبه الفيلسوف الانجليزي المشهور جورج أورول(George Or’ well) عام 1948 عن كيف سيبدو العالم عام 1984 والذي تنبأ من خلال روايته بمصير العالم الذي ستحكمه قوى كبيرة تتقاسم مساحته وسكانه ولا توفر أحلامهم وطموحاتهم بل تحولهم إلى مجرد أرقام في جمهوريات الأخ الأكبر الذي يراقب كل شيء ويعرف كل شيء.نعم تحدث أورول بأن الفرد سيصبح تحت رقابة كاملة في عام 1984 وستكون تصرفاته وحركاته مرصودة وستتلاشى تدريجيا خرافة الخصوصية والحرية، وسيصبح المواطن تحت نظر الدولة على مدار الساعة. توقعات اورول بدأت تتحقق في بدايات القرن الواحد والعشرون فانتشار الكاميرات في كل مكان تشعر الفرد أنه يعيش تحت نظر الدولة وأن أفعالة وتحركاته مرصودة كيف لا وتلفوناتنا مراقبة وما هي إلا ضغطة على مفتاح ليتم الترصد والتجسس على مكالمات المواطنين !!!أما الكاميرات التي تم تركيبها في عمان فقد تجعل شوارع بكاملها مراقبة من شخص واحد في مديرات الأمن ناهيك عن الريع الكبير للرادارات المرورية التي تزمع الحكومة التوسع في تركيبها في المحافظات والألوية في إشارة منها إلى أنها مدرة للدخل و "موفية " مع الحكومة ربما أفضل من سياساتها في جلب الاستثمار وإنشاء المشاريع فكمرة واحدة تأتيك بعشرات الآلاف من الدنانير في الأسبوع الواحد دون كلف ثابتة باستثناء ثمن الكاميرا الذي يمكن استرداده خلال حصيلة المخالفات لمدة أسبوع واحد فقط.
القضية المثيرة للجدل الان هي تركيب مئات الكاميرات في حرم معظم الجامعات الرسمية وفي المختبرات، والممرات، وبين الأشجار ،وداخل مباني الكليات وخارجها حيث بلغ عدد الكاميرات التي تم تركيبها في جامعة واحدة أكثر من سبعمائة كاميرا لدرجة اعتقدنا فيها أننا سنصل ربما إلى مرحلة تركيب كاميرا على رقبة كل عامل ومدرس وطالب في الجامعات لرصد تحركاته وتحديد موقعه والوصول إليه بأي لحظة.تواصلنا مع إحدى قيادات هذه الجامعات مستفسرين عما إذا تم تركيب كاميرات داخل قاعات ومدرجات التدريس فأفاد بالنفي مشيرا إلى أنه تم تركيب الكاميرات في المختبرات علما بأن معظم المحاضرات في الكليات العلمية تعطى في المختبرات فهل ستمثل هذه الكاميرات رقابة على المدرسين والأكاديميين وما هي مضامين ذلك للحريات الأكاديمية في الجامعات؟ مبررات الإدارات الجامعية في تركيب الكاميرات تركز على أن الهدف منها هو التعامل مع العنف الجامعي وهنا نسأل إذا كان الأمر كذلك فلماذا تركب الكاميرات في المطابخ والدوائر الإدارية بما فيها رئاسة الجامعة ؟
أعتقد بأن على صناع القرار أن يتأملوا في ارتدادات هذه المراقبة المتواصلة لكل شيء متحرك في الجامعة ومدى تأثيره على حريات المدرسين والطلبة.لا أستبعد أن يتم التوسع في تركيب الكاميرات لتشمل القاعات التدريسية واستخدام التسجيل للإيقاع بالمدرسين على خلفية جملة قيلت هنا أو تفسير أو نقد سياسي علمي أو قانوني لتصرفات الحكومة وإجراءاتها متخذين من التهم الفضفاضة الجاهزة مثل إطالة اللسان وقدح المقامات العليا وتقويض نظام الحكم ذرائع لتقزيم مساحة الحريات الأكاديمية التي تضمنها معظم قوانين وشرائع التعليم في العالم.
كاميراتكم تزعجنا وتحد من حريتنا وتجعلنا نشعر بأننا تحت الرقابة الدائمة لمن أسماهم جورج أورول الأخوان الكبار (God Fathers) وتشعرنا أيضا أننا في مناطق عسكرية مراقبة .الجامعات معاقل العلم ومعتكفات العلماء والمفكرين والطلبة وينبغي أن لا يتم التقييد على هذه الحريات باسم الحد من العنف الجامعي الذي يمكن التعامل معه من خلال معرفة أسبابه ومنطلقاته ومعالجتها.ترهيب الناس وتخويفهم ومراقبتهم على مدار الساعة ليس هو الحل ويمكن أن يخلق مشاكل أخرى لجامعاتنا.عدوى الكاميرات ربما تحل جزئيا بعض المشكلات ولكنها يمكن أن تخلق مشكلات اجتماعية ونفسية أكثر تعقيدا بانتهاكها للحريات وإمكانية التلصص والتجسس واستخدام معلوماتها بطريقة كيدية للإيقاع بالعاملين وهضم حقوقهم،كما أن هذه الكاميرات يمكن أن تستخدم صورها وتسجيلاتها من قبل الدوائر الأمنية وفق أسس وتقديرات مخابراتية بحته يقررها أحد خريجينا الذي تخرج من الجامعة وتوظف حديثا في هذه الدوائر.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)