TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
لمناهج الجديدة بين حتمية التطوير ومقاومة التغيير
26/10/2019 - 6:15am

ا
أ.د. سميح الكراسنة
المناهج والتدريس / جامعة اليرموك
المناهج ليست دساتير محصنة ولا حدود محرمة، بل من صنيع بشر ينفذونها ويغيرونها، ويقاومون وجودها ويطورونها متى أرادوا، فالصواب فيها والخطأ يسيران بخطين متوازيين...والتطوير حتمي ومقاوته صحة مشروعة. فانطلاقا من الانتماء للواجب كولي أمر ومطلع في مجال التطوير التربوي والمناهج على وجه الخصوص، ومن أجل فتح باب آخر فيه التفاؤل وحسن النوايا لتداول الآراء في قضية حساسة ومهمة وخطيرة، وتأملاً في مقولات البعض ومواقفهم لا للتشكيك، ولا للاعتقاد، من أن هناك حملة مدادها الشخصنة والمصالح الذاتية الضيقة بالتجييش ضد مسيرة التطوير والإصلاح الحتمية في أردن الخير والعطاء لمناهجنا الرسالية، رأيت لزاما أن أتأمل بصوت عال فيما يدور في ربوع وطني الغالي وما تتناوله ساحات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة من حديث وتجاذابات حول منهاجي الرياضيات والعلوم. فأقول كلامي لجميع المشاركين بالهم والواجب والمخلصين الأوفياء لأبناء هذا البلد الطيب الذي يستحق منا كل عطاء خالص لله ثم للوطن والقائم بالمسؤولية الحقة.
الأهل وأولياء الأمور: أنتم أصحاب حق ورسالة، أنتم صناع التربية الحقيقية والتجارب الواقعية، والهم الصادق، والمسؤولية العظيمة، إذ تقتضي رسالتكم الولوج بأبنائكم إلى بر الأمان والفضيلة والعلم والإيمان والتطور والنمو بأعلى وأرقى درجات الإحسان. إلا أن الاجترار وراء بعض الأصوات الشعبوية الداعية إلى التجييش ضد التطوير من أجل تمرير أجندات خاصة، وتنفيذ قرارات خطيرة تمس مسيرة التربية والتعليم والتطوير التربوي على الاطلاق بالشلل التام والالتهاب المزمن الذي يثور كلما غرد مغرد ونادى منادٍ من مكان بعيد، وربما هذا يصيبنا جميعا بانفصام واهتزاز ذاتي بقدراتنا، وقدرات من يتحملون المسؤولية من أبناء هذا البلد المعطاء بشكل مطلق. بل وربما فقدان الثقة بكل من حولنا ويسوس أمرنا ويسعى في ذمتنا. ومثال ذلك المناداة بالرجوع إلى الخلف من أصعب الأبواب وأضيقها النداءات والمواقف التي تطالب الرجوع إلى الكتب السابقة ورمي الكتب الجديدة. يقيني أن هذا ليس اجتهادا بالاتجاه الصحيح بامتياز، وإلى كل أبناء بلدي الأوفياء إن الإعجابات بالتأييد، والتعليقات والمشاركات لبعض المواقف والأصوات التي تدغدغ العواطف وتلهب المشاعر وتتهم البعض بالتقصير والتأطير للمناهج إنما هي قطعاً خطى بالاتجاه الخطأ، ولعلها تغذية لتوجهاتهم ورغباتهم المستندة إلى الشخصنة والبرجماتية الضيقة، وربما تقود إلى نتائج لا تسر إلا العدو المتربص بقيم هذا الشعب العظيم وثوابته الممتدة جذورها في خير أمة أخرجت للناس. فأحبابي، لكل تغيير مقاومة ولكل جديد ضجيج، ولكن نظرية التطوير حتمية بحركة الإنسان في كافة مناحي حياته، وعولمة اليوم جعلت من التغيير سبيلاً للتكيف والمسايرة.
نعم منهاجي الرياضيات والعلوم دخلا حيز التطبيق في الميدان، وتداول الأهل أداتهما الهامة؛ وهي الكتاب، وعاش الناس الشرفاء الأوفياء أصحاب الولاء والانتماء لأردنيتهم وإنسانيتهم النقية التقية ليالي صعبة وعسيرة، وارتعدوا خوفا على ما يقدَّم لفلذات الأكباد من خبرات جديدة في ظاهرها الصعوبة والاختلاف والغرائب والاستغراب، وربما ما قد تحمله من ثقافات جديدة وغريبة على مجتمعنا، وهذا مظهر صحي، ومشهد راقٍ من أولياء الأمور. ومن حقهم جميعا الشك إلى أن يتأكدوا من قيمة هذه الكتب وأهميتها، وما ستحققه من تعلمات وقيم ومعارف ومهارات تتناغم وتنسجم مع قيم مجتمعنا وثقافة أمتنا المجيدة، وما أكد عليه دستورنا الأردني، ونظامنا التربوي، والإطار العام للمناهج الذي أعده المركز الوطني لتطوير المناهج. نعم من حقهم الاطمئنان والشعور بالأمان، ولذلك فإن ما نحتاجه جميعا كمتأثرين بهذه المناهج ومشاركين في صناعتها وهندستها هو التقييم الدقيق والمراجعة التأملية لجميع مصادر التعلم الواردة فيها، والتأكد مما تحمله من مخرجات تعلمية صريحة، ومخرجات ضمنية( قد تكون انعكاساتها التربوية خطيرة على الأجيال). لا من خلال الكلام المتناثر والإعلام الموجه المجيش المؤدلج من هنا ومن هناك، ولا اجتهادات موقفية قد تكون مؤطرة بدوافع قصدها النيل من التجربة الأردنية الجديدة ووأدها في خدرها ومهدها، بل من خلال بناء الأدوات التقييمة المعدة خصيصا لهكذا مهمات والتي يعرفها أهل التربية ورواد تحليل المحتويات التعلمية والمناهج التعليمية بكل شفافية ونزاهة ومصداقية وشمولية. وكتابة التقارير العلمية حول هذه المراجعات ورفعها للجهات ذات العلاقة العارفة والجهات الرقابية المختلفة الرسمية والشعبية والإعلام. وتقديم التغذية الراجعة المناسبة بالأسلوب المناسب. وعندما تتعسر السبل في وجه ذلك، ومع ظهور الحقيقة المرة فليقف الأهل وليقف الجميع في وجه من يحاول العبث بمستقبل الأجيال، ويكشف الغطاء عمن يكيد للأمة – إن ثبت ذلك بالحجة والدليل-.
ولزملائي المعلمين، وللعاملين على خدمتهم في نقابتهم الموقفية الرسالية المشرقة، أقول أنتم أهم الشركاء أيضا في صناعة المنهج وهندسته، فأنتم عين صاحب القرار التربوي في الميدان، وأداة التطوير والتقييم الحقيقية، وأنتم المعين الواقعي للوزارة وللمركز الوطني لتطوير المناهج في تخفيف ألم التجربة وتحسين مستواها، وتصحيح مسارها، فأنتم المدخل الحيوي في عملية التنفيذ والتقويم، أنتم من أهم مدخلات النظام التعليمي في بيئات التعلم داخل الصف وخارجه، أنتم من يخطط لمخرجات التعلم، ويختار مصادر التعلم، ويثير الدافعية ويعزز الطلبة في المواقف التعلمية، ويراقب ويقدم التغذية الراجعة، ويشخص الواقع ويقوم التعلم. وبالتالي إن كشفتم معرفيا ووجدانيا وأدائيا أن هناك ما يشكل خطورة على الطلبة في هذه الكتب فلتقدَّموا أولا البديل( من مصادر تعلم أو خبرات ومعارف مختلفة) الموقفي في الميدان والاجتهاد بتجنب الخطر حسبما ترونه مناسبا، حتى لا يخسر الطلبة أو يُضر بهمبما تقدمه الكتب المطور( إن وجد طبعا)، ثم بعد ذلك تقدموا مواطن الخطوره، مستخدمين لذلك نماذج تقييم دقيقة، ولنمضي جيمعا لحمل لواء التغيير والمتابعة والتعديل بسبله المعهودة المعروفة، فإن لم يستجاب لنا فلابد من المواجهة والتصدي للعبثية في المناهج.
وإلى وزارة التربية والمركز الوطني للمناهج، ثقتنا بكم كبيرة وبقدرتكم أكبر على حمل المسؤولية وتحمل كافة الضغوط المصاحبة لكل اجتهاد يخرج عن الروتين، ولكن أذكركم فقط أنكم وكلاء شعبنا الصامد المتسامح الطامح بمتستقبل خالٍ من الفاسدين والمفسدين والعابثين والمتآمرين على قيمه وثقافته، بلغته وعاداته وتقاليده ومستقبله، البائعين لأجياله بثمن بخس دراهم معدودة، أنتم من فوضكم هذا الشعب الصابر وائتمنكم على التغيير والتجديد والتطوير، وإن الدور البنيوي والتاريخي المنوط بكم لا شك ستحاكمكم عليه الأجيال، ثم ستسألون عنه أمام الله. لذلك فإن لمنهج التطوير والتغيير كما وصفه رائد التغيير التربوي فولان (FULLAN) ثلاث آليات، هي: التدريب والتربية، التحفيز والدافعية، ثم الفرصة والمهلة، فمهتمكم تدريب كل من له علاقة بالمناهج وتثقيفهم خاصة المعلمين وتحفيزهم، من خلال المتابعة الحثيثة درساً بدرس وموقفاً بموقف فهذه مرحلة تجريب. أما الفرصة فهي ما نحتاج من الجميع للجميع لثبات حسن العمل وصدق النوايا ونجاعة التجربة، فالعودة عن التطوير فوضى تصيب نتائحها الجميع، والتقييم السريع الدقيق للتجربة والاستجابة للأصوات الصادقة المخلصة من أولياء الأمور حكمة لبداية التقييم وتدارك لكرة الثلج. وأعتقد أن المركز الوطني ووزارة التربية والتعليم على وعي تام بآليات ذلك كله وضرروات إدارة الموقف بكل حكمة واستراتيجية لكسب الثقة بالقادم من الإنجازات، وإنها فرصة المركز لحمل عبء التطوير بالتشاركية الإيجابية مع الميدان، وتحفيز التجريب للمناهج بمراحلها المختلفة وحيثياتها، وعقد حلقات النقاش والحوار مع جميع المشاركين من مشرفين ومعلمين وطلبة وأولياء الأمور وأصحاب الفكر المتزن والرأي الراجح الأوفياء لهذا البلد العزيز، قبل أن ننتقل إلى التطييق الكلي، إضافة إلى التسريع بتشيكل فريق العمل من أجل التحليلات العميقة للمناهج الضمنية الخفية المستترة وراء النص والصورة والرسوم والألفاظ، وكشف احتمالات التعلمات الخفية الضارة أو المفيدة، والمراجعات اللغوية والمنطقية. ونراجع ونلاحظ ولكن بثوابت التغيير الحقيقية. وإن هذا الصدى الإيجابي الواسع والتغذية الراجعة السريعة لهما مؤشر مؤثر وحساس صادق من أبناء الأردن الأوفياء يستدعي القبول والتكيف وردود الفعل الإيجابية. فالتطوير حتمي ومقاومة التغيير فرصة للتعلم، وتصحيح المسار. واتمنى أن تكون جهودكم الأخيرة قد بنيت على الأصول العلمية والموضوعية والتربوية والنفسية والمنطقية للتقييم الدقيق لموضوع منهاجي الرياضيات والعلوم بجميع الأبعاد، فالناس بالانتظار بحذر وتحفز.
حمى الله مناهجنا وسدد مؤسسات وطننا ورعى الله مسيرة التطوير والتغيير بجهود كل المخلصين الأوفياء المنتمين -وهم الغالبية-لأردن القيم والحضارة والتقدم والمحبة والسلام..

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)