TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مؤشرات القوّة بين إيران وإسرائيل
20/04/2024 - 10:15pm

د. أحمد بطَّاح
لقد أثار الهجوم الإيراني على إسرائيل يوم السبت الماضي (13/04/2024)، والرد الإسرائيلي صباح يوم الجمعة (19/04/2024) التساؤلات حول القوة الحقيقية (بمعناها الشمولي) لكلٍ منهما، وبخاصةً أنّ العلاقات بين إيران وإسرائيل أصبحت سيئة منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران (في عام 1979)، حيث دأبت إيران على اعتبار إسرائيل دولة مصطنعة يجب أن تزول يوماً ما، كما أن إسرائيل من جهتها اعتبرت أن خطر إيران عليها هو خطر وجودي وبالذات عندما انخرطت (أي إيران) في تطوير برنامج نووي يمكن أن ينتهي إلى امتلاك سلاح ذري يهدد إسرائيل في صميم وجودها.
والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: ما مقومات القدرة الشاملة لكلٍ منهما؟. فيما يتعلق بإيران هي دولة إقليمية مُهمة تقع في غرب آسيا، وهي ثاني أكبر دولة من حيث المساحة في الشرق الأوسط بعد السعودية (تبلغ مساحتها 1,648,195 كيلو م2)، وثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان في هذه المنطقة بعد مصر (يبلغ عدد سكانها 85 مليون نسمة)، وهي تمتلك ثاني أكبر احتياطي من الغاز، ورابع احتياطي من النفط في العالم، وفضلاً عن ذلك فهي تُطّل على الخليج العربي حيث مضيق "هرمز" وقريبة من البحر الأحمر حيث "مضيق باب المندب" اللذين يمر منهما ثلث التجارة العالمية تقريباً، وفيما يتعلق بالاقتصاد بالذات فإن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني يبلغ (367) مليار دولار، وهي تعتمد بدرجة رئيسية على تصدير النفط، كما تتعرض لعقوبات غربية قاسية.
أما على الصعيد العسكري فإنّ الجيش الإيراني هو الجيش الرابع عشر في العالم من حيث القوة العسكرية حسب تصنيف جلوبال فاير باورGlobal Fire Power) )، وهو يمتلك قوة برية كبيرة (525 ألف جندي نظامي و 350 ألف جندي احتياطي)، وقوة بحرية كبيرة كذلك (398 قطعة بحرية متنوعة)، وفيما يتعلق بالطيران فإنّ إيران تمتلك (516 طائرة)، كما تمتلك أكثر من (3700) دبابة، و (8500) مدرعة، لكّن أهم معالم القوة العسكرية الإيرانية في الواقع هي قوتها الصاروخية حيث تتوفر على صواريخ "باليستية"، وأخرى "فرط صوتية"، وفيما يتعلق بالسلاح النووي فإنّ من المؤكد أنّها تستطيع تطوير سلاحٍ ذري خلال وقت قصير جداً (يوم إلى أسبوع حسب بعض المراقبين)، حيث لديها اليورانيوم الذي يمكن تسريع عملية تخصيبه، والمعرفة التقنية اللازمة رغم نفيها الرسمي لرغبتها في امتلاك مثل هذا السلاح.
أمّا إسرائيل فهي دولة تقع في غرب آسيا كذلك، وتشاطئ البحرين: المتوسط والأحمر، وهي ذات مساحة محدودة (22,000 كم2) تقريباً، ولا يزيد عدد سكانها عن (9) مليون نسمة يشكل العرب (20%) منهم، ورغم محدودية مواردها الطبيعية فإنها تُعتبر من أغنى (32) دولة في العالم حيث بلغ ناتجها المحلي الإجمالي (521) مليار دولار، كما أنها من أعلى الدول من حيث نسبة الحاصلين على التعليم العالي، ومن حيث الإنفاق على البحث والتطوير.
أمّا من الناحية العسكرية بالتحديد فإن الجيش الإسرائيلي يصنف حسب جلوبال فاير باور على أنه الجيش السادس عشر في العالم بموازنة سنوية تقارب الـ (20) مليار دولار (تناهز القوات النظامية 170 ألف، وتناهز قوات الاحتياط الـ 465 ألف جندي)، ويتمتع الجيش الإسرائيلي بقوة جوية كبيرة وحديثة (595 طائرة متنوعة تشمل أحدث الطائرات مثل طائرات الشبح 35 F)، كما أنّ لديه قوة دبابات متطورة من حيث التدريع والتكنولوجيا (1650 دبابة و7500 مدرعة)، وفضلاً عن ذلك لدى إسرائيل قوة بحرية لا يُستهان بها (65 قطعة بحرية متعددة الأنواع)، ومن المعروف أنّ إسرائيل تمتلك أنظمة دفاع جوي عديدة وللمسافات المتفاوتة مثل القبة الحديدية، ومقلاع داوُد، والباتريوت، ونظام آرو (السهم)، كما أنّ من المعروف أنّ لديها أسلحة نووية منذ ستينيات القرن الماضي.
وبعيداً عن الأرقام التفصيلية الخاصة بكلا الطرفين (إيران وإسرائيل)، فإنّنا يمكن أن نستخلص المؤشرات العامة الدالة على قوة كلٍ منهما وعلى النحو الآتي:
أولاً: المؤشرات المتعلقة بالقوّة الإيرانية:
1. القدرة على التجنيد (القوة المتاحة 47 مليون من عدد السكان البالغ 85 مليوناً، مقابل 3.5 مليون لإسرائيل من عدد السكان البالغ 9 مليون).
2. القدرة الصاروخية المتفوقة وبالذات "الفرط صوتية".
3. القدرة البحرية حيث يمكنها الوصول بسهولة إلى المنافذ البحرية الحسّاسة كمضيق "هرمز"، و"باب المندب" إمّا مباشرة أو من خلال الحلفاء (أو الوكلاء إن شئت).
4. المساحة الكبيرة وتَوزّع المواقع الاستراتيجية البالغة الأهمية (وبالذات النووية) والتي تُمكّن من امتصاص الضربات.
5. توفر الحلفاء (أو الوكلاء إن شئت) الأقوياء المحيطين بإسرائيل أو القريبين منها، والذين يمكن أن ينخرطوا في المعركة ضد إسرائيل وبتأثير مُعتبر (حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن مثلاً).
ثانياً: المؤشرات المتعلقة بالقوّة الإسرائيلية:
1. القدرة الجوية المتفوقة حيث تحرص الولايات المتحدة على تزويد إسرائيل بأحدث ما في ترسانتها الجوية (كطائرات الشبح 35F) والتي تعبّر عن سياسة مُعتمدة قائمة على إبقاء إسرائيل متفوقة نوعياً على كل جيرانها مجتمعين.
2. التفوق التقني والذي ينعكس في القدرات الاستخباراتية المتميزة، وتطوير بعض الأسلحة (دبابة "الميركافا"، ومقلاع داوُد للدفاع الجوي، ونظام آرو الصاروخي).
3. التفوق في مجال الدفاع الجوي حيث تتوفر إسرائيل على عدة أسلحة متطورة في هذا المجال وكما أسلفنا آنفاً.
4. الاستناد إلى دعم غربي (وبالذات أمريكي) غير محدود، وجاهز للتدخل مباشرةً كما حدث في مواجهة الهجوم الإيراني الأخير في (13/04/2024) حيث دخلت الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا مباشرةً في المعركة، وشاركت في التصدي للمُسيّرات والصواريخ الإيرانية.
5. السلاح النووي حيث تملك إسرائيل (100) رأس نووي على الأقل ويُعد هذا السلاح سلاح "ردع" استراتيجي لا تلجأ له إلا عند تعرضها للخطر الحقيقي رغم أنها لا تعترف رسمياً بتوفّر هذا السلاح لديها.
وأخيرا فإنّ إيران وإسرائيل دولتان قويتان بالمعنى الشمولي للكلمة (بما في ذلك البعد العسكري المحض)، ولكلٍ منهما مواطن قوة ومواطن ضعف، ولكن الواضح تماماً أيضاً أن أياً منهما -ولأسباب موضوعية كثيرة لا مجال لذكرها هنا- لا تستطيع أن تلغي دور الآخر (فضلاً عن إلغاء وجودها ومحوها من الخارطة)، ولذا فمن الأرجح أن يظل التعايش الصعب (Co-existence) وغير المُؤسّس على الحب قائماً بينهما، وبكل ما له من تأثيرات وانعكاسات على الوضع العربي في إقليم الشرق الأوسط.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)