TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نظرة من الداخل الى معوًّقات البحث العلمي في الأردن (2)
20/07/2020 - 5:15am

أ.د. نزار أبو جابر

يتطلب لتنفيذ اي مشروع بحثي ذو طبيعة محلية توفر معلومات وبيانات، وعادة ما تكون مهمة جمع وتخزين هذه البيانات مؤسسات عامة. تعد هذه المعلومات مرتكزاً رئيسياً للأبحاث الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المختلفة. في الغرب تكون مثل هذه البيانات متوفرة على الشبكة العنكبوتية لمن يرغب بشكل مجاني، لأن مبدأهم هو انه دافع الضرائب هو الذي مّول جمعها، لذا فإن له الحق بالإطلاع عليها والإستفادة منها. لكن هناك فوائد أخرى لهذه الشفافية، حيث ان وجود متابعين لها يضمن ملاحظة اية أخطاء او شذوذ في النتائج، مما يضمن سلامة الارشيف من ناحية، ويشجع على عدم اعاقة جمعها باخفاء المعلومة مثلا أو تحريفها كون دقتها ستنعكس بالنفع.
ثقافة البيانات في الأردن مختلفة تماماً، حيث ان معظمها تبقى حبيسة الادراج والحواسيب وتعتبر ملكية خاصة لا عامة. فيترتب للحصول عليها زيارات لمكاتب المسؤولين والموظفين، مع مراسلات طويلة بين المؤسسات المختلفة (وقد تدخل الواسطات على الخط) تنتهي بمطالبة مالية قد تطيح بجزء كبير من ميزانية المشروع أو كلها. ولكن ذلك ليس أسوأ ما في الأمر.
عندما تبدأ دراسة البيانات، قد تجد بها عدم انسجام أو فراغات أو أخطاء لم يجد من يصححها في الوقت المناسب. ويمكن تخيل بأن جامع البيانات أو مدخلها لا حافز لديه للتدقيق إن شعر بأن أحد لن يرى البيانات أو يكتشف اخطاءها. وعندما تلاحظ انت هذه الأخطاء أو السهوات يكون الآوان قد فات لتداركها ولتصحيحها.
لنأخذ مشكلة الفياضانات والمياه السطحية كمثال، ولا اريد ان اركز على مؤسسة بذاتها ولكن على مشكلة عامة. لحساب كميات الفياضانات وتركيزها وتكرارها تحتاج لمعرفة خصائص حوض التصريف الطوبوغرافية وجيولوجيتها وطبيعة غطاء التربة وسجل مطري يومي (أو نصف أو ربع يومي) لفترة طويلة. وبذلك تحتاج لبيانات يجب ان تكون متوفرة في كل من المركز الجغرافي الملكي ووزارة الطاقة ووزارة الزراعة ودائرة الأرصاد الجوية. وهنا سأركز على المعلومات المناخية.
الكثير من الفياضانات الشديدة لا تتكرر لعشرات السنوات، وتحدث نتيجة مناسبة مطرية تستمر لدقائق أو ساعات محدودة. لذا، فإن أي حساب تكرار لمثل هذا الفيضان يجب ان تتضمن وثوقية عالية للبيانات المستخدمة. نحن نفتقد للسجلات الموثوقة الآن، ولكن لا نريد ان يفتقدها أيضاً أبنائنا وأحفادنا. يجب ان نبني لهم قاعدة معلوماتية أيضاً.
ان البخل في المشاركة في البيانات لا يعني انها تبقى في ايدي امينة. على العكس، لأن إحتكار تقارير سلطة المصادر الطبيعية (سابقاً) انتهى بفقدان جزء كبير منها عندما حُلت السلطة، منهيا أربعين سنة من الجهد ومئات الملايين من الدنانير من الاستثمار. الم يكن من الأفضل توفيرها على موقع الكتروني لمن يحتاجها؟
يجب ترسيخ فكرة ان البيانات الدقيقة هي قاعدة أساسية لبناء دولة علمية عصرية، وهذه البيانات هي ملكية عامة غير خاضعة لمّنة أو مزاج أو إبتزاز.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)