TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
هل الغش ثقافة المجتمع ؟
21/01/2016 - 5:30am

طلبة نيوز

الدكتور صلاح جرار
عندما بخث بالشكوى مما عانيته من التعامل مع بعض أهل المهن والصناعات من غشٍّ وتقصير وعدم إتقان وعدم التزام بالمواعيد، ونشرتُ ذلك على صفحتي في مواقع التواصل الاجتماعي، تبين لي كأنني (حككت للناس على جرب)، فبالإضافة إلى مئات إشارات الإعجاب، فقد وردتني عشرات التعليقات على هذا المنشور من أناس يعانون ممّا أعاني منه، ليكشف ذلك عن أنّ هذا المظهر من مظاهر الفساد في مجتمعنا هو ظاهرة واسعة الانتشار، وأنّ أحداً لم يلتفت بصورة جديّة إلى خطورة هذه الظاهرة وما تتخذه من أشكال وصور، ذلك أنّ الناس كافة لا يمكنها أن تستغني عن الكهربائيين ومهنيي التمديدات الصحيّة وأصحاب مهن الدهان والتبليط والقصارة والحدّادين والنجّارين وبنائي الطوب والحجارة والإسمنت وغير ذلك ممّا لا يحصى لكثرته.
فإذا كان كثير من هؤلاء يمارسون الغشّ وسوء الأداء وعدم الإتقان فإنّ ذلك سيفقد الناس ثقتهم ببعضهم بعضاً. ومن المفارقات العجيبة في ذلك أنّ هؤلاء يتقنون عملهم إلى أقصى حدّ ممكن إذا عملوا في بلدان الغرب أو دول الخليج العربي، لكنّهم لا يلتزمون هذا الالتزام ولا يتقنون هذا الإتقان إذا كانوا في أوطانهم.
وكان بعض المعلّقين من دول عربيّة شقيقة ممّا يدلّ على أنّ الظاهرة عامّة في الوطن العربيّ وليست وقفاً على بلدٍ عربيّ بعينه. ويرى بعض المعلّقين أنّ هذه الظاهرة من مخرجات منظومة القيم السياسية والأخلاقية والتعليمية و التربوية والثقافية المتهالكة.
ويعزو آخرون هذه الظاهرة إلى الطمع وقلة الدين وغياب الضمير وتراجع القيم وعدم العقاب وغياب المساءلة والرقابة وإدراك هؤلاء المهنيين والصنائعيين أنّ الناس لا يستغنون عنهم، وأن الناس لا معرفة لهم بأسرار تلك المهن والصناعات.
ويذهب كثير من المعلّقين إلى الاعتقاد بأنّ معظم هؤلاء الصنائعيين غير مؤهّلين وليس لديهم خبرة في صناعاتهم ومهنهم ولذلك لا يتقنون أعمالهم.
ويصرّ بعض المعلّقين على أنّ الأزمة هي أزمة مجتمع يعاني من الفساد في سائر قطاعاته، وليس فقط في أعمال أصحاب المهن و الصناعات، وأنّه لا بدّ من معالجة اجتماعية جذريّة تشمل كلّ شيء.
ومع اعترافهم بانتشار هذه الظاهرة وخطورة تأثيرها على المجتمع فقد عزا بعض المعلّقين ذلك إلى سوء التعامل الذي يواجهه هؤلاء المهنيّون والصنائعيون من أصحاب العمل الذين يماطلونهم في دفع الأجور أو يبخسون من قيمة عملهم ويدفعون لهم أجوراً أقلّ ممّا يستحقون ممّا يدفعهم إلى التقصير في إتقان عملهم أو إنجازه على الوجه المثاليّ.
ومع أنّ ذلك قد يكون وارداً إلاّ أنه يوجد من أصحاب هذه الصنائع والمهن من يأخذ أجرته كاملة ومع ذلك لا يطيب له أن يتقن عمله كما أوصى به الرسول صلّى الله عليه وسلم «إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».
لا بدّ لهذه الظاهرة من مواجهة، ولا بدّ أن يكون وضع حدّ لها واحدة من أولويات وزارة العمل من خلال برامج تأهيل وتدريب ورقابة ومتابعة ومساءلة. ولعلّ من الإجراءات المجدية على المستوى الاجتماعي الترويج لثقافة أن يقوم كلّ مواطن بنفسه بتعلّم مبادئ إنجاز بعض الأعمال الأولية والبسيطة المتصلة بالخدمات المنزلية دون اللجوء إلى هؤلاء المهنييّن في كلّ صغيرة وكبيرة. ومن الضروري أن يكون في كلّ منزل أدوات مختلفة لاستخدامها في هذه الأعمال الأوليّة. وقد يكون مجدياً كذلك أن تعنى مناهج التربية في الصفوف الأساسيّة بتوجيه الطلبة إلى الاعتماد على الذات في كثير من شؤون الحياة.
salahjarrar@hotmail.co

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)