طلبة نيوز-احمد حسن الزعبي

مدنُ البحرِ تشبهه...مدن البحرِ نوارسٌ جغرافية ، تقرأ مزاج الأزرق جيداً، تمسح بكفّيها عن  جبينه المتعرّق ملحاً ، لتولد من رحم الرمل ابنته الأولى ..
****
لم يُهزم  البحر في تاريخه لأن سلاحه وجوده... اعتصار ، ململة، غضب ، هدير فموج..هذه سيرة البحر منذ ألف ألف عام..

ولن تهزم غزّه في تاريخها لأن سلاحها وجودها ...حصار، ململة، غضب، هدير، فموت..
 ترى أي مجنون يحاول أن يقتل البحر؟ أي مجنون يضع الموج على قائمة الاغتيالات...أي مجنون يعتقد ان ينحني اليمّ في تاريخه الممدّد بين سمائين ليطلب الصفح أو الهدنة...البحر ، في النار يحيا وفي الماء يحيا في الموت يحيا وفي الحياة يحيا... أي مجنون يطعن رائحة الياسمين بخنجر؟ فلسطين هي رائحة الياسمين! ولدت لتنتشر...
*** 
كانت  تؤلمني غارات المساء ، ويؤلمني  حضور أفراد العائلة جميعاً على مائدة الموت، كانت تؤلمني الشفاه الصغيرة المنتهية عند ابتسامة ، و طفل ظفرَ للتو بارتداء «بيجامة»، كانت تؤلمني الجثث الواقفة على رؤوس أصابع الصمود، وأيادي الأمهات  المتكئة على الخدود...
لكن أكثر ما كان يؤلمني عندما  اختصر الخطاب العاطفي وجع فلسطين كلها بــ»غزة»!!..
البنج السياسي الموضعي الذي تتواطأ فيه  كل أنظمة العالم .. وقّع عليه الجميع دون ان يشعروا، غزّة جزء من فلسطين...والوجع لا يخص بنت البحر وحدها بل يخص سيدة البحر كلها ... تلخيص القضية الى صفحة ، والوطن الى مدينة ، والشعب الى تنظيم، والصراع الى مناكفة ، تماماً كمن يجزّئ الوجع الى آهات متباعدة..

عندما تشكو الأم من وجع في عينيها...لا يمكن لابنها أن يتعاطف مع عينيها فقط ..بل يصرخ للعالم بكل ما أوتي من عاطفة : أمي  تتألم يا عالم !!!...
وكذلك فلسطين!..